الحرب على غزة تعمّق "جراح" الاقتصاد الفلسطيني

تاريخ النشر
طفلة تنظر إلى الدمار الذي لحق بالمباني والمنشآت جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة-تصوير وكالات

رام الله-أخبار المال والأعمال- قال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إن مستوى التعافي في الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2022 ما زال محدودا نتيجة مجموعة من العوامل وأهمها التراجع الحاد للدعم الخارجي، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في اقتطاع جزء من العائدات الضريبية (المقاصة) على مدار العام.

وأشار "الإحصاء" في بيان استعرض خلاله أهم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية حول أثر حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى أن استمرار سياسة الاحتلال الإسرائيلي في اقتطاع أموال المقاصة خلال العام 2023، إضافة الى الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، وسياسة التضييق والإغلاق بين محافظات الضفة الغربية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كل ذلك من شأنه أن  يزيد من حالة الركود والتراجع في معدلات النمو للاقتصاد الفلسطيني وأيضًا على قدرة الحكومة للإيفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع الفلسطيني.

وأوضح أن "استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لمدة شهر وامتداد آثارها خلال الشهرين اللاحقين، وما يرافق ذلك من تداعيات على الاقتصاد في الضفة الغربية، سيؤدي إلى إحداث تراجع في الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين في عام 2023 بقيمة تقدر بـ 500 مليون دولار أميركي أي بنسبة 3% مقارنة مع العام 2022 بعد أن كان من المفترض أن يحقق الاقتصاد الفلسطيني نموا نسبته 3% في ذات العام، وذلك نتيجة توقف عجلة الانتاج اليومية في القطاع.

** تشوه بنيوي

ويعيش في قطاع غزة حوالي 2.2 مليون شخص في مساحة لا تتجاوز 365 كم² معظمهم من اللاجئين، لتعتبر الكثافة السكانية في قطاع غزه البالغة 6102 فرد/كم² من المناطق الأعلى كثافة سكانية في العالم، فهو يعاني من الضغط الديموغرافي على الموارد الأساسية لعوامل الإنتاج من جانب، ومن جانب آخر سلسلة الحروب المتكررة على القطاع والتي أدت إلى دمار شبه كامل في أبسط مقومات الحياه للفرد الفلسطيني، لتتصاعد معدلات البطالة والفقر لتصل إلى أعلى مستوياتها، لتتجاوز معدلات البطالة 45% خلال النصف الأول من عام 2023، يضاف إلى ذلك أن ما يزيد عن 50% من الشباب الخريجين عاطلين عن العمل، كما أن حصة الفرد الفلسطيني من الدخل يعادل نصف حصة الفرد الفلسطيني في الضفة الغربية، وأن معدلات الفقر وسوء التغذية تفاقمت حتى تجاوزت حاجز 80%.

ومن جانب آخر، بلغت حصة الفرد في قطاع غزة من المياه حوالي 80 لتر/يوم وهي أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والتي تقدر بحوالي 150 لتر/يوم للفرد الواحد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يزيد عن 97% من مياه قطاع غزة لا تنطبق عليها معايير منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب، وحتى النصف الأول من عام 2023 تشير مؤشرات الاقتصاد إلى تراجع في مساهمة قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي في دولة فلسطين من حوالي 34% للأعوام ما قبل العام 2006 لتنخفض إلى ما دون 18% والذي أدى إلى تشوه بنيوي في قدرة قطاع غزة على التعافي.

وقال "الإحصاء" إن ما سبق من مؤشرات يدلل على أن قطاع غزة يعاني من وضع اقتصادي صعب ما قبل الحرب الإسرائيلية الحالية، لتزيد هذه الحرب المدمرة من معاناة هذا القطاع، حيث يُحرم قطاع غزة من أقل الحقوق الإنسانية من مياه وكهرباء ووقود ونقص كبير في الأدوية والمستلزمات الصحية الأساسية، وهو ما ينذر بكارثه إنسانية وبيئية. 

** الفاقد اليومي من الانتاج

خلال النصف الأول من عام 2023 شهد الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين ارتفاعا نسبته 3% مقارنة مع الفترة المناظرة من العام السابق، والذي بدوره جعل مستوى الارتفاع في نصيب دخل الفرد الفلسطيني لا يتجاوز 1% مقارنة مع نفس الفترة من عام 2022، إلا أن الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة ستؤدي إلى تراجع في الاقتصاد الفلسطيني خلال النصف الثاني من عام 2023، حيث أن الخسارة اليومية المتوقعة لقيمة الإنتاج في قطاع غزة تقدر بـ16 مليون دولار نتيجة توقف عجلة الانتاج لكافة الأنشطة الاقتصادية، عدا الخسائر في الممتلكات والأصول الثابتة.

** نصيب الفرد من الدخل

وعلى مستوى الإنفاق، فقد ارتفع إجمالي الإستهلاك بنسبة 6% خلال النصف الأول من عام 2023 مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق (7% في الضفة الغربية، 5% في قطاع غزة)، حيث شهد الاستهلاك الخاص من قبل الأسر المعيشية ومنشآت القطاع الخاص ارتفاعا بنسبة 8%، في المقابل انخفض الاستهلاك العام (الحكومي) بنسبة 2% خلال نفس الفترة، أما إجمالي الإستثمار (التكوين الرأسمالي الثابت) فقد ارتفع بنسبة 7%.

وخلال العام 2023 فمن المتوقع أن بتراجع نصيب الفرد من الدخل بنسبة 5% يرافقه انخفاض مستوى الاستهلاك في فلسطين بنسبة 1.2% نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها على فلسطين وبالتالي ما يرفع مستويات الفقر في فلسطين.

** التبادل التجاري

وعلى مستوى حجم التبادل التجاري مع العالم الخارجي شهد النصف الاول من عام 2023 ارتفاعا في قيمة الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 21%، قابله ارتفاع في الواردات بنسبة 19% خلال نفس الفترة، ونتيجةً لأن قيمة الواردات تعادل حوالي ثلاثة أضعاف قيمة الصادرات، أدى ذلك الى ارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة 18%.

ومن الجدير بالذكر بأن حجم التبادل التجاري لقطاع غزة قبل عام 2006 وصل الى 23% من إجمالي التبادل التجاري لفلسطين، لتنخفض هذه النسبة الى ما دون 12% خلال العام 2023، وخلال الحرب الحالية على القطاع توقفت سلاسل التوريد من وإلى القطاع، والذي ينذر بكارثة صحية في عموم قطاع غزة نتيجة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الصحية.

** معدلات البطالة

وعلى مستوى العمل والعمال، فلسطين تشهد فجوة مناطقية في معدلات البطالة، فخلال العام 2022، بلغ معدل البطالة في الضفة الغربية حوالي 13.1% وفي قطاع غزة حوالي 45.3%، وانخفض معدل البطالة خلال الربع الثاني من عام 2023 ليصل الى 24.7% مقارنة مع 25.2% خلال الربع الأول من هذا العام.

وتشير التقديرات إلى أن معدلات البطالة سترتفع من 25.5% عام 2022 لتتجاوز 28% في العام 2023 نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها على فلسطين.

** ارتفاع في مستوى الأسعار

وفيما يتعلق بمستويات الأسعار في فلسطين، فان معدلات التضخم في الأسعار تتأثر بشكل مباشر بمستويات الأسعار في اسرائيل وتداعيات الأزمات الخارجية بسبب الاستيراد الكبير للسلع الاستهلاكية من الخارج وإسرائيل، ويتأثر من خلال ثلاثة مفاصل أساسية، الأول اننا نتحدث عن غلاف جمركي مشترك بين الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين والذي يفرض علينا بقاء معدلات ضريبة القيمة المضافة ضمن هامش نقطتين مئويتين، والمحور الثاني عدم سيطرتنا على الحدود والمعابر وبالتالي التحكم بسلاسل التوريد، والمحور الثالث عدم وجود عملة وطنية وبالتالي نبقى رهائن التقلبات العالمية.

وخلال النصف الأول من عام 2023 ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في فلسطين بنسبة 3.82% مقارنة بالنصف الأول من العام 2022، حيث ارتفعت أسعار بعض السلع الأساسية مما أثر سلباً على إنفاق الأسر الفلسطينية، وانخفاض القيمة الشرائية وبالتالي تأثيره على مستويات الفقر في فلسطين، كما أن الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة من شانها أن تزيد معدلات التضخم في فلسطين خلال الفترة القادمة، وتشير التقديرات إلى أن ارتفاع معدل صرف الدولار مقابل الشيقل بمقدار 1% سيزيد من معدلات التضخم بما يعادل 1.6%.