"ماس" يناقش استئناف المساعدات الأمريكية لفلسطين في عهد بايدن

تاريخ النشر
جانب من اللقاء

رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، يوم الأربعاء، لقاء طاولة مستديرة بعنوان "استئناف المساعدات الأمريكيّة لفلسطين في عهد بايدن: خَمْر عتيقة فِي زِقَاق عَتِيقَة"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم.

أعد المعهد ورقة خلفية حول الموضوع عرضها مديره العام رجا الخالدي، كما قدم كل من: مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني اسطيفان سلامة، و الأمين العام للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية عودة شحادة زغموري، والمحاضرة في جامعة مانشستر ماندي ترنر، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش، بحضور ما يقارب 80 خبيرا وممثلا عن مؤسسات فلسطينية ودولية وجاهياً ورقمياً.

وأكد الخالدي أهمية الموضوع، وأن هذه الورقة تأتي في إطار اهتمام المعهد بمتابعة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المستجدة التي تهم المواطن الفلسطيني وصاحب القرار، موضحًا أن المعهد يعقد جلسات الطاولة المستديرة الدورية لمناقشة هذه المواضيع باعتبارها أحد الأدوات لاقتراح توصيات سياساتية تفيد في عملية صنع القرار بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني.

وشكر صندوق الاستثمار الفلسطيني لدعمه هذا اللقاء، وهو الرابع في سلسلة نظمها المعهد منذ 2019 لإلقاء الضوء على أبرز التطورات في المساعدات الأميركية على إثر انقطاعها تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

ورقة ماس الخلفية

في إطار عرض الورقة، بين الخالدي أن المعهد تابع عن كثب مستجدّات التّحولات المُزلّزلة الّتي عَصفت بالسياسة الأمريكية الخاصة بالمساعدات الأمريكيّة لفلسطين وشكلها ومُحدّداتها السّياسية، لا سيّما بالمقارنة بالنسقِ الّتي أرُسّيت لها حتى إدارة أوباما—إذ تفاقمت الأوضاع إثر إنهاء المساعدات الأمريكيّة المباشرة والرّاسخة للسّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة بموجب تشريعات صارمة لمكافحة الإرهاب (التي شملت حتى التّعاون في مكافحة الإرهاب)—بإنهاء إدارة ترامب للمساعدات الإنسانيّة والإنمائيّة للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك المُساعدات الخاصّة بوكالة الأمم المتحدّة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشّرق الأدنى (الأونروا)—الوكالة المسؤولة عن محنة ملايين اللّاجئات واللّاجئين الفلسطينيين.

وأوضح الخالدي أن ما زاد الطّين بلّة إقدام الولايات المتحدّة في العام 2019 على طرح رؤيتها الظالمة "السّلام من أجل الازدهار" في محاولةٍ لرسم المستقبل الاقتصادي لفلسطين والمنطقة، ولدت من رحم وجهة نظر سياسيّة واقتصاديّة نيوليبراليّة واستعماريّة جديدة مُحاكة في تل أبيب بشأن مصير المصالح الفُضلى للشعب الفلسطيني. حملت "الصّفقة" طرحا كان يُراد به تطبيع وإدامة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإنهاء نضال الشّعب الفلسطيني الّذي مضى به منذ قرن من الزّمان من أجل تقرير مصيره الوطني. في نهاية المطاف، ارتطم هذا التّحول غير المسبوق في السّياسة الأمريكيّة بصخور الرّفض الصّارم لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة، عدا عما ثنى عليه من تصدّعاتٍ بنويّة، فضلًا عن رحيل المؤيدين الأمريكيين والإسرائيليين لهذا الطّرح عن المشهد السّياسي.

استئناف المعونات في عهد إدارة بايدن

أوضحت الورقة أنه في العام 2020 في عهد إدارة ترامب، سنّ الكونجرس الأمريكي مبادرةً عُرِفت بمبادرة نيتا لوي للشراكة في الشّرق الأوسط من أجل السّلام. بدعمٍ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، صُمّمت هذه المبادرة في ظل الإدارة السّابقة من أجل "تعزيز التّعايش السّلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين لتمكين تحقيق حل الدّولتين المستدام". تشمل مبادرة الشّراكة في الشّرق الأوسط من أجل السّلام صندوقين بقيمة 250 مليون دولار كمساعدات على مدار خمس سنوات. رغم أنّها تهدف إلى دعم الحق الفلسطيني في إقامة دولة، إلّا أنها معيبة انطلاقًا من افتراضها الأساسي بأنّ العلاقات الاقتصاديّة قادرة على تحقيق هذا الحل، بدلًا من أن يكون ذلك نتيجة سلام عادل.

تهدف البرامج الرّئيسة الثّلاثة لـمبادرة الشراكة في الشّرق الأوسط من أجل السّلام—الّتي ستنفّذها الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدّوليّة وشركة تمويل التنمية الدّوليّة الأمريكيّة—إلى تعزيز التّعاون الاقتصادي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وبناء السّلام بين الشّعبين، والمجتمع المشترك، والتّعايش السّلمي، والحوار، والمصالحة. تجدر الإشارة إلى أن برامج المبادرة الثّلاثة تتألّف من: الشّراكة بين الشّعبين من أجل السّلام، وبناء الجسور الاقتصاديّة الإقليميّة، ومبادرة الاستثمار المشترك من أجل السّلام.  مع ذلك من الواضح أنّ الموقف السّياسي الرّاهن للإدارة الأمريكيّة ينثني على تجاهل السّلطة الوطنيّة في تحديد أولويات المساعدات "الجديدة."

التّداعيات والاستجابات السياساتية

إن المُستجدات على قصّة مقاربة الإدارات الأمريكيّة للقضيّة الفلسطينيّة لا تُعطي أي بارقة لصنّاع السّياسات الفلسطينيّة أو لقادة الأعمال بأن شيء مؤثرا قد تغير في واشنطن حيال فلسطين، سواء كان ذلك سياسيا أو غير ذلك. أيضًا وبالنظر إلى التّجربة المريرة لعملية السّلام الفاشلة، فإن النّوايا الحسنة والكلمات الطّيبة لم تعد ذات مصداقية وأقل من القليل، وقد فات أوانها. إلى جانب التّداعيات السّياسيّة الواضحة الّتي يمكن استخلاصها من هذا الوضع، هناك العديد من الدروس الّتي ينبغي أخذها على محمل الجد للمضي قدما، لا سيّما من زاوية التّنمية الفلسطينيّة وصنع السّياسات الاقتصاديّة.

الاقتصاد السّياسي للمساعدات الأمريكيّة لفلسطين

تشير الورقة إلى أنه كُتب وقِيل الكثير خلال العقد الماضي بشأن المفهوم المشكوك بأمره، والمرفوض على نطاق واسع، للسلام الاقتصادي كما صاغه رئيس الوزراء الإسرائيلي السّابق نتنياهو. على حين أن اتفاق أوسلو استند إلى مبدأ مدريد "الأرض مقابل السّلام،" فإن أفضل ما تقدمه إسرائيل وحلفاؤها اليوم لفلسطين هو "تقليص الصّراع". للأسف، مساعدات إدارة بايدن تتماشى مع هذا الشّعار. إن أحد الأشكال الوحيدة الممكنة للمساعدات الأمريكيّة المباشرة للسلطة الوطنية الفلسطينيّة والتي قد تكون ممكنة في ظل القيود القانونية الجديدة هي تلك المخصّصة للتعاون في مكافحة الإرهاب العالمي والقضايا الأمنية ذات الصّلة. وعليه، لا يوجد الكثير لإضافته للتأكيد على رفض هذا الطّرح، حتى في الوقت الّذي يمضي فيه صاحبات وأصحاب الأعمال الفلسطينيون "بالمحافظة على السلم،" ملزمين على مواصلة التّفاعل مع إسرائيل وأنظمة هيمنتها كي يتمكنوا من البقاء. جدير بالذّكر في هذا السّياق ضرورة عدم اعتبار الصمود الفلسطيني بمثابة خضوع.

مداخلات المتحدثين

بين سلامة في مداخلته أن الدعم الأمريكي هو دعم ذو بعد وأهداف سياسية مقارنة بالدعم المقدم من المانحين الآخرين. فالدعم الأمريكي دعم لا يمكن التنبؤ به، فهو متذبذب تبعاً للظروف السياسية، ويخضع للقوانين الأمريكية، والتي هي بالأساس مجحفة بحق الفلسطينيين. كما أن العديد من هذه القوانين تقوض العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والدولة الفلسطينية. وأضاف، أن الدعم الأمريكي في عهد بايدن عاد بصيغة مختلفة. حيث لم يتم مشاورة الحكومة الفلسطينية بخصوص البرامج الجديدة المقترحة والمطروحة، كما لا يوجد وضوح بخصوص إمكانية استفادة المستوطنات من البرامج التمويلية الجديدة. كما أن هناك تركيزاً على الشق الاقتصادي على حساب الشق السياسي، بحيث سيكون الطرف الإسرائيلي هو المستفيد الأبرز من هذه البرامج.

رغم كل المخاطر السياسية المحيطة بهذه المساعدات، أكد سلامة أهمية عدم اعتبار جميع المساعدات الخارجية مضرة أو جميع ما قدمته المساعدات الأميركية من مشاريع في السابق غير مفيدة، وأنه لا بد من التوفيق ما بين أولويات المانح والاستفادة الفلسطينية المحتملة. مع ترحيبه بطرح موضوع "فعالية المعونة" من خلال تقييم الورقة الأولي للمعونة الأميركية تحديداً، نوه سلامة الى أن الحكومة بذلت جهود كبيرة مؤخراً لإحياء آليات التنسيق الوطنية والملكية الفلسطينية لتلك المنظومة بعد سنوات من تراجع وضعها، وأنها بصدد استكمال "استراتيجية المعونة" لتكون موجهة ومحفزة للمزيد من الفعالية للمساعدات الخارجية. كذلك تطرق للجهود المكثفة للحكومة وعدد من الدول الأوربية الصديقة، لتحرير ما يعادل 600 مليون يورو معونات عن سنتي 2021 و2022 لا تزال رهينة لعائق بيروقراطي غير مسبوق في تاريخ المساعدات الأوروبية لفلسطين.

وأشار سلامة إلى ضرورة موازنة الدعم الخارجي الأمريكي مع الأولويات الفلسطينية، خاصة مع التراجع الحاد في الدعم الخارجي بشكل عام من مصادره المختلفة، وأن الحكومة الفلسطينية تبذل جهودا كبيرة لإعادة الدعم الى مستوياته المطلوبة، كم تم تطوير النسخة الثالثة من قاعدة بيانات طورتها الحكومة الفلسطينية بهدف تحديد جميع المشاريع التي تمول من أطراف خارجية وتنفذ في فلسطين. بحيث ستساعد هذه القاعدة على توحيد المشاريع المطروحة في الموازنة العامة، وتلك المعروضة على المانحين.

من جانبها، أشارت ترنر إلى أن المساعدات الإنسانية المقدمة من الولايات المتحدة، بما فيها تمويل الأونروا، هي مساعدات ذات طابع سياسي وذات أجندات محددة، وهناك تناقض كبير بين هدف الولايات المتحدة المعلن وهو حل الدولتين، وبين نهجها العملي حاليا على أرض الواقع، والمتمثل بتقديم الدعم لإسرائيل على حساب فلسطين. كما أن هناك تأثير سلبي خفي للبرامج التي تهدف الى زيادة التواصل والعلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أن بناء علاقات مثل هذه من شانها تشتيت الجهود المبذولة في حفظ الهوية الفلسطينية، والتغطية على الآثار المدمرة للاحتلال الإسرائيلي، وإيهام العالم بأن العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية على ما يرام، مع أنها ليست كذلك على أرض الواقع. كما أن من الأهداف غير المعلنة للمساعدات الأمريكية الترويج للسلام من خلال اللجوء إلى إنشاء علاقات اقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أنه لا يمكن محو الآثار المدمرة للاحتلال الإسرائيلي من خلال هذه العلاقات والبرامج.

من جانبه، أشار زغموري إلى أنه لم يتم استشارة القطاع الخاص في تحديد الاحتياجات في الدفعة الأخيرة من المساعدات الأمريكية، وأن هناك توجه يتمثل بقيام بعض المانحين بتحويل المؤسسات الحكومية إلى منفذين للمشاريع الممولة من الدعم الخارجي، بدلا من إيكال المهمة للقطاع الخاص. مما يحول المؤسسات الحكومية من دور الرقابة إلى التنفيذ، وأكد على ضرورة تشاور الحكومة مع القطاع الخاص عند صياغة السياسة الوطنية للمنح والمساعدات. وبين زغموري أن المساعدات الأمريكية هي مساعدات "تخديريه" بشكل عام، بحيث تهدف إلى التغطية على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين كما أن جدواها محدودة على الاقتصاد الفلسطيني. فدون حل سياسي دائم وعادل، سوف تبقى هذه المساعدات أداة لتجميل الاحتلال الإسرائيلي. فيما يتعلق بالبرامج الأميركية القادمة تحت عنوان "بناء الجسور الاقتصادية الإقليمية" أكد على أن الشركات الفلسطينية لن تقبل التعامل من خلال هذا البرنامج سوى مع الشركات العربية الفلسطينية داخل إسرائيل للاستفادة من موقعها وخبراتها وتضامنها مع اهتمامات واحتياجات الشركات الفلسطينية.

كما أكد عدد من المتحدثين بين الحضور ضرورة التحول من محاولة إصلاح موازنة السلطة الفلسطينية إلى بناء الاقتصاد الفلسطيني ووجود أجندة فلسطينية واضحة لتقديمها للمانحين، لضمان الاستفادة القصوى من المشاريع والمنح الخارجية، مع ضرورة التركيز في هذه الأجندة على أولويات المواطن الفلسطيني. كما دعا المشاركين إلى ضرورة تحسين الآليات التفاوضية مع المانحين، حيث أن الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة أثر على فعالية هذه الآليات، وأشاروا أيضاً إلى أن بنية الحكومية الفلسطينية لا تزال ضعيفة فيما يتعلق باستقطاب وتنظيم المساعدات الخارجية، مع ضرورة وضع الأولويات الفلسطينية على الطاولة.

للاطلاع على الورقة الخلفية حول موضوع النقاش اضغط هنا

1