صانع ’القمباز’

تاريخ النشر
صانع ’القمباز’
المواطن محمد قطوسة، من الخياطين القلائل الذين ما زالوا محافظين على آلية حياكة الزي الفلسطيني "القمباز " ويعملون على ابقائها على قيد الحياة .(عدسة : محمد ابو زيد/وفا)

رام الله-وفا- إيهاب الريماوي-ذاعت قصة طريفة نهاية سبعينات القرن الماضي لرجل مسن في إحدى قرى رام الله كان يرفض ارتداء اللباس التقليدي الفلسطيني "القمباز"، فاجتمع حينها كبار القرية واتفقوا على جمع مبلغ من المال لتفصيل "القمباز" لهذا المسن.

أوكلت المهمة إلى مختار القرية الذي توجه إلى مخيطة في السوق القديم بمدينة رام الله، والتي كان صاحبها يتميز بحياكة "القمباز"، الذي يأتي بقماشه بواسطة المستوردين من سوريا.

خلال يومين كان "القمباز" جاهزاً، حينها توجه وجهاء القرية إلى المسن الذي تفاجأ بزيارتهم، ليضطر أن يقبل هديتهم خجلاً، والذي سيصبح يرتديه رغما عنه طوال الوقت.

انقلب المشهد اليوم، ولم يعد عدم ارتداء هذا اللباس يثير غضب كبار السن أو متوسطي العُمر، لكن في إحدى الزوايا القديمة بمنطقة رام الله التحتا بقيت هناك مخيطة "القديسي" التي تحافظ على صناعة "القمباز".

"أصبح الطلب عليه نادراً جداً، فأحياناً في الأعراس وبعض المناسبات"، يقول محمد إبراهيم قطوسة صاحب المخيطة القائمة منذ العام 1976، وتتميز بصناعة عدة أنواع من الألبسة التقليدية الفلسطينية.

ويضيف قطوسة أن "القمباز" يطلق عليه في بعض المناطق باسم "الكِبِر" أو "الدماية"، والذي يعرفه بأنه رداء طويل مشقوق من الأمام، ضيق من أعلاه يتسع قليلاً من أسفل، يُرَدّ أحد جانبيه على الآخر وجانباه مشقوقان قليلًا.

 وقمباز الصيف من كتان وألوانه مختلفة عنه في الشتاء، أما قمباز الشتاء فمن جوخ ويلبس تحته قميص أبيض من قطن يسمى "المنتيان".

كان والد محمد الذي توفي عام 2014، ينهمك طيلة الشهر في الطلب الكبير على حياكة "القمباز" في سنوات السبعينات والثمانيات، وكان موضة إصلاح الملابس نادرة والتي تعمل بها الآن معظم محلات الخياطة، حيث كان الدارج حينها التفصيل، تفصيل الملابس.

"الخياطة لم تعد حرفة لها مكانتها، الخياطون كُثر، والمحال التجارية أصبحت تعج بالملابس المستوردة الجاهزة، ولم تعد خامة القمباز وقماشته متوفرة، الموجود هو المقلد، الذي يستهلك ويبلى خلال مدة قصيرة "، يضيف قطوسة.

يرى قطوسة بأن الصناعة التهمت فن الخياطة، والإبرة أصبحت تابعة للآلة بعد أن كانت لقرونٍ آلة بحد ذاتها، واليوم الخياطون هم من يستطيعون تشغيل ماكينات "القص واللصق"، وهم من يظنون أنهم يتقنون تقصير البناطيل وحياكة أواخرها.

لا يجد قطوسة وجهاً للمقارنة بين القمباز الذي حاكته يداه منذ عقود وتلك الملابس التي تغرق السوق، "صنع اليد يفوق موضة هذه الأيام جمالاً، ويتفوق عليها ذوقا وفنا ونظافة ومخافة لله".

يحرص قطوسة على الاستمرار في صناعة "القمباز" كونه يمثل التراث الفلسطيني ويعبر فيه عن أصله وتاريخه وجذوره في هذه الأرض.

أغلب زبائن هذه الأيام الذين يترددون على المخيطة لطلب هذا اللباس هم من المغتربين كبار السن الذين يأتون للبلاد في فصل الصيف، ويعتقدون أن ارتداء القمباز واجب عليهم في المناسبات، وفق قطوسة.

يفتقد محمد في هذه الأيام خامة القماش السورية الأصلية، والتي لم تعد تصل لفلسطين منذ عدة سنوات، بسبب الأوضاع هناك، حيث تحتم عليه استبداله بالقماش المستورد من كوريا، والصين، وحتى اليابان.

في سبعينات القرن الماضي وحتى نهاية الثمانينات لم تهدأ آلة الخياطة يوما عن حياكة "القمباز"، واليوم آخر "قمباز" صنعه كان بداية هذا العام، ورغم ذلك ما زال معلقا في محله ولم يطلبه أحد.