لعبة الدجاجة والبيضة...هكذا انهار قطاع الدواجن

تاريخ النشر
لعبة الدجاجة والبيضة...هكذا انهار قطاع الدواجن
صورة توضيحية-تصوير وكالات

رام الله-الحياة الجديدة-ملحق حياة وسوق- "نحن نواجه حاليا  هجمة منظمة تستهدف الشعب والحكومة على حد سواء"، بهذه الكلمات يلخص طارق أبو لبن مدير التسويق بوزارة الزراعة التدهور غير المسبوق في أسعار لحم الدواجن في فلسطين، مشيرا إلى أن إسرائيل أغرقت السوق الفلسطينية مؤخرا بلحم الدواجن باللجوء الى التهريب وهو ما يضع هذا القطاع أمام كارثة حقيقية.
ويضيف أبو لبن لـ"حياة وسوق": إذا استمرت الهجمة الحالية فإنها ستتسبب ليس فقط بخروج مزارعين صغار من السوق، بل ان الكارثة قد تلحق أيضا بكبار المستثمرين، فنحن نتحدث عن أسعار متدنية جدا وأقل من سعر التكلفة، وهو أمر في غاية الخطورة".
القصة ليست وليدة اللحظة، فسوق الدواجن والبيض في فلسطين ليس سوقا مغلقا بل مفتوحا مع السوق الاسرائيلي، وفلسطين تنتج من الدجاج اللاحم والبيض أكثر من حاجتها لكنه يصب في نهاية المطاف لصالح تزويد السوق الإسرائيلي بها، لكن ما حصل مؤخرا أن هناك فائضا بنحو (40) مليون بيضة في إسرائيل هذا العام ما دفع الاحتلال إلى وقف استيراد الدواجن الفائضة في الضفة، لا بل أغرق السوق الفلسطيني بما لديه من فائض وهو ما يقدر بنصف إنتاج السوق الفلسطيني، الأمر الذي تسبب بتدهور حاد في أسعار الدجاج اللاحم، إلى درجة أصبح فيها كيلو الدجاج يباع بـ 6 شواقل فقط وهو أقل من سعر التكلفة، وسط تأكيدات من الجهات الرسمية أن سعر كيلو الدجاج المهرب يصل إلى مناطق بالضفة بشيقلين فقط للكيلو.

سوق احتياطي وحسب المصلحة
يشرح عبد الحكيم فقهاء مدير شركة دواجن فلسطين لـ"حياة وسوق" واقع قطاع الدواجن في فلسطين، والدجاج البياض، مشيرا إلى أنهما قطاعان منفصلان، لكن إسرائيل تتعامل معهما بالسياسة نفسها. ويقول" حينما يكون لدينا فائض سواء في الدجاج اللاحم أو البياض، لا تسمح إسرائيل بإدخاله إلى أسواقها إلا وفق مصلحتها وتحديدا إذا كان لديها نقص، فحاليا تعتمد على استيراد البيض من الضفة، فسعر الكرتونة في إسرائيل يصل إلى (30) شيقلا بينما في الضفة تتراوح بين (12 إلى 18) شيقلا، وبالتالي من مصلحة التجار الإسرائيليين استيراد أي فائض في الضفة، ولكن فيما يتعلق بالدجاج اللاحم فإنه يفترض ان تنتج إسرائيل هذا العام نحو (220) مليون بيضة، ولكنها أنتجت (260) مليون بيضة، أي ان هناك نحو (40) مليون بيضة فائضة، ويعتقد أنها تخلصت منها بإغراق السوق الفلسطينية بها".
ويوضح فقهاء أن إدخال الكميات الفائضة في إسرائيل للسوق الفلسطينية يجري عن طريق التهريب وبشكل غير قانوني، سواء من داخل الخط الأخضر أو عن طريق المستوطنات، مشيرا إلى أن عمليات التهريب تتم غالبا في مناطق خارج سيطرة السلطة الوطنية وفي ساعات الفجر الأولى أو ساعات الليل المتأخر.
ويؤكد صعوبة عمل الضابطة الجمركية والجهات الرقابية في مناطق (ج) تسهل عمليات التهريب، مبينا أن الكميات الفائضة في إسرائيل والتي يعتقد أنها هربت للسوق الفلسطينية تمثل قرابة نصف استهلاك السوق الفلسطيني المحلي (80) مليون بيضة تفريخ أي نحو (55) مليون دجاجة وهو ما يفسر التراجع الحاد في الأسعار.
وينوه فقهاء إلى أن إسرائيل تتحكم عمليا بهذين القطاعين، مستذكرا أن سعر كرتونة البيض قبل فترة تراجع في السوق الفلسطيني إلى (8) شواقل و(9) شواقل لأن الجانب الإسرائيلي لم يكن يعاني من نقص في البيض، لافتا إلى المزارعين خسروا في هذا القطاع لنحو (6) أو (7) دورات متتالية، وتسبب ذلك بخروج مزارعين من السوق نتيجة الخسائر الكبيرة التي تكبدوا.
وينذر فقاء بوجود كارثة حقيقية تهدد قطاع الدواج في فلسطين، فإذا تسببت الهجمة الحالية بخروج مزيد من المزارعين من السوق بسبب الخسائر التي يتكبدونها، فإن العرض سيقل تدريجيا لأن الإنتاج سينخفض ويجعل السوق مستباحة من الإسرائيليين، ما قد يقود لاحقا إلى غلاء فاحش في أسعار الدواجن.
ويبين أن سعر تكلفة كيلو الدجاج هي(7) شواقل وفي فصل الشتاء تصل إلى (8) شواقل، و(10) شواقل منظف من الريش، ما يعني أن الأسعار الحالية ضربة موجعة للمزارعين الفلسطينيين.

إسرائيل تسعى إلى تدمير القطاع
ويتفق فياض فياض الخبير في مجال الثروة الحيوانية مع تشخي فقهاء لواقع قطاعي الدواجن اللاحم والبياض، مشيرا إلى أن الأسعار متقلبة في السوق الفلسطيني سواء في سعر الدجاج اللاحم او البياض نتيجة تحكم إسرائيل بهما.
ويبين فياض أن سعر كرتونة البيض اليوم يصل إلى (20) شيقلا وربما ترتفع اكثر خلال الأيام المقبلة،  أم سعر كيلو  الدجاج اللاحم  فأقل من (6) شواقل في بعض المناطق، بينما قبل أشهر كان العكس هو السائد، إذ انخفضت كرتونة البيض لأسعار متدنية بينما ارتفع سعر كيلو الدجاج اللاحم  إلى (15) شيقلا.
ويضيف "تكلفة كرتونة البيض على المزارع حوالي (8) شواقل، وحينما تدنت لدون هذا السعر خسر المزارعون ما أدى إلى خروج بعضهم من السوق، ولاحقا انخفضت كميات الإنتاج فعادت للارتفاع"، محذرا من تكرار الأمر ذاته في قطاع الداج اللاحم إذ أن انخفاضا على هذا النحو قد يخرج مزارعين ومستثمرين من القطاع الامر الذي قد يقود إلى ارتفاع كبير، وهو ما يجعل القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية.
ويتابع: "تضخ مئات آلاف الدواجن يوميا للسوق الفلسطيني عن طريق التهريب، خاصة الدجاج ذا الوزن الثقيل، وهو مرغوب به من قبل المطاعم مثل محلات بيع الشاورما ومصانع للحوم والمرتديلا".
ويؤكد فياض ان غياب الصناعة التحويلية في فلسطين سبب رئيسي لارتباك السوق، فعند وجود فائض تنخفض الأسعار على نحو كبير، بينما لو كانت هناك صناعات تحويلية لأمكنها استيعاب الكميات الفائضة".
 ويشير إلى أن إسرائيل تحتاج أحيانا لأسواق الضفة لتوفير البيض للقواعد الامريكية المنتشرة في المنطقة، مبينا أن السوق الفلسطينية تنتج سنويا نحو 150% من حاجتها للبيض لأنها تأخذ في الاعتبار تزويد النقص في إسرائيل، ولكن حينما لا يكون هناك نقص في إسرائيل سواء بسبب وفرة الإنتاج أو بسبب الاستيراد من بلدان أخرى فإن المتضرر هو السوق الفلسطيني وتحديدا المزارعين.

أسعار غير مسبوقة تكوي المزارعين
الأسعار الحالية التي تشهدها السوق الفلسطينية غير مسبوقة من حيث انخفاضها، ويقول اياد رزق موظف في متجر لبيع الدواجن وسط مدينة رام الله" نعرض لحم الدجاج من فترة بسعر 7،5 شيقل للكيلو وهو ادنى سعر وصلت اليه هذه السلعة على الاطلاق بحسب ذاكرتي"، مشيرا إلى هناك تفاوتا من قبل المواطنين على شراء الدجاج، مضيفا "المستهلكون يقومون بتخزين هذه السلعة في ثلاجات منازلهم خشية ان تعاود الارتفاع من جديد".
ويتابع" نبيع اليوم نحو 2500 دجاجة في المعدل يوميا مقابل 1200 دجاجة كانت تباع في متجرنا في العادة"، موضحا ان هناك دجاجا مهربا في الأسواق سواء حيا كان ام مذبوحا، وهناك ايضا الدجاج المصاب (الطريف) والذي يجلبه مهربون بسعر بين 3 و4 شواقل للكيلو وهو ما تسبب في اغراق السوق واختلال معادلة العرض والطلب. ورجح اياد رزق ان تستمر حالة الانخفاض اسبوعين اخرين في احسن تقدير قبل ان تعاود التعافي.
وتخشى أروى طليب وهي مزارعة من قرية دير بزيع بمحافظة رام الله والبيرة ومربية دجاج لاحم منذ (28) عاما أن تقود الأسعار الحالية قطاع الدواجن إلى كارثة.
وتقول" سعر كليو الدجاج الحي تدنى الى ما دون الخمسة شواقل في المزرعة، وهذا يكبد المربين خسائر باهظة وربما يقود الى افلاس كثيرين ويمنعهم من العودة السريعة الى العمل ما يهدد برفع اسعار هذه السلعة".
وتضيف" شخصيا قررت عدم تربية دورة جديدة الان رغم اننا محظوظون اكثر من غيرنا حيث حملت جمعية مربي الدواجن التعاونية برام الله والبيرة انتاجنا بسعر 7 شواقل للكيلو ما يعني تحملها فارق السعر والخسائر عوضا عن المزارع، مطالبة وزارة الزراعة والحكومة بتكثيف الجهود لمحاربة التهريب ودعم المزارعين وتعويضهم. 
ويقول اياد عاصي المدير التنفيذي للجمعية التعاونية لمربي الدواجن في محافظة رام الله والبيرة "هذا السعر غير مسبوق ويلحق ضررا بالمزارعين وبقطاع الدواجن النامي في فلسطين ويجعله عرضه الى مخاطر جدية"، مشيرا إلى ان الكلفة تصل في بعض الأحيان إلى (10) شواقل للكيلو ما يجعل سعر (12) شيقلا هو السعر العادل للمستهلك وللمزارع على حد سواء.
ويتابع" نشتري الدجاج من الاعضاء بسعر 7 شواقل من المزرعة لنتحمل عنهم جزءا مهما من الخسائر لنساعدهم على الاستمرار".

مواطنون: يوم لك ويوم عليك
وعلى غير معرفة بالواقع الحالي وخلفياته، التفت مواطنون إلى المكاسب الآنية التي يحققونها جراء الانخفاض الحالي بالأسعار. ويقول المواطن عبد الكريم منصور من قرية بدو"السوق دوار كما الدهر، يوم لك ويوم عليك، والسعر الحالي منصف للمستهلك الذي سبق واكتوى بالغلاء وفحش الاسعار وانا اقر بانني استفيد منه في تخزين شيء للحاجة".
ويضيف: "اعيش مع زوجتي وحيدين، ولكن لدي من (63) من الأبناء والأحفاد، ولك ان تتصور حجم التوفير في سلة المشتريات".
أم المواطن اسعد خليل من رام الله- شرطي متقاعد، فيرى ان السعر الحالي جيد للمستهلك ويرضيه، ولكنه غير عادل للمزارع الذي يضيع عرقه وتعبه ويتعرض لخسائر. 
ويقول" لا يعقل بحال ان يكون سعر كيلو البصل او البندورة على سبيل المثال اعلى من سعر لحم الدجاج، هذا ظلم وغير معقول"، مطالبا الجهات المسؤولة بفرض سعر ثابت معتقدا ان سعر 9-10 شواقل للكيلو مناسبا للجميع.

السوق يخضع لمعادلة العرض والطلب
بدوره، يؤكد أبو لين أن قطاع الدواجن أن السبب الرئيس لواقع الأسعار الحالية هو التهريب، إذ تحاول إسرائيل التخلص مما لديها من فائض عن طريق اغراق السوق الفلسطيني بها، كونه سوقا ملاصقا ويسهل الدخول إليه في ظل انفتاح الحدود وعدم تمكن الجهات الرسمية في السلطة الوطنية من السيطرة على المناطق (ج).
لكن أبو لين نفى بشكل قاطع ان سكون هناك إنتاج فائض عن الحاجة في السوق الفلسطيني، مشيرا إلى أن ادخال بيضات التفريخ لمناطق السلطة الوطنية هو أقل من المطلوب بهدف حماية المزارعين الفلسطينيين، لكن إسرائيل هي من تتعدى بطريقة غير شرعية لإغراق السوق الفلسطيني بما لديها من فائض.
 ويضيف: "ادخال الدجاج اللاحم او الصوص من إسرائيل للأراضي الفلسطينية ممنوع قانونيا"، لافتا إلى أن  استهلاك السوق الفلسطيني يصل إلى نحو مليون طير أسبوعيا أي نحو 50-52 مليون طير سنويا.
ويتابع" منذ قرابة شهرين خفضنا الكميات التي يسمح بإدخالها لتصل إلى 800 ألف طير أسبوعيا بدلا من 1.3 مليون طير، وهو أقل من حاجة السوق، لكن إسرائيل استغلت الحالة الفلسطينية وعدم السيطرة على الحدود، للتخلص مما لديها من فائض، ولهذا علما ان بعض المهربين باعوا سعر كيلو الدجاج اللاحم بشيقلين فقط". 
ويؤكد ان ما يجري هو حرب إسرائيلية واضحة على قطاع الدواجن الذي يعتبر قطاعا ناميا ومتطورا سواء فيما يتعلق ببيض التفريخ أو بالجاج اللاحم  إذ ان بعض المزارع في فلسطين تتمتع بتقنيات إنتاج متطورة، مشيرا إلى ان وزارة الزراعة أقامت غرفة طوارئ مفتوحة لمناقشة السبل اللازمة لمجابهة الهجمة الحالية والحد من حالة التدهور القائمة.
ويخلص إلى القول "اخشى ما اخشاه أن تأخذ الهجمة الحالية في طريقها ليس صغار المزارعين فحسب، بل كبارهم أيضا، فإذا استمرت الحرب الحالية بهذه الضراوة فإن كثيرا من المزارعين لن يستطيعوا الصمود".
أما بخصوص أسعار البيض الحالية، فقال أبو لبن إنها عادلة سواء للمستهلك او المزارع، ولا يوجد مقارنة بين واقع الدجاج اللاحم والبياض في هذه المرحلة.
ويضيف: "بحسبة تكاليف الإنتاج والهوامش التسويقية فإن  السعر الحالي عادل لكافة أطراف العملية الإنتاجية".

فائض بنحو 30% من حجم الإنتاج
يؤكد د. عبدالله لحلوح  وكيل وزارة الزراعة أن قطاع الزراعة في فلسطين والاقليم وفي العالم عموما قطاع حساس ويواجه مصادر مخاطر عالية وعدم يقين كثيرة.
ويقول: "نحن نواجه هذه لمخاطر الى جانب مخاطر الاحتلال الذي يعد المصدر الاكبر والآفة الاخطر التي تهدد وتقوض التنمية الشاملة في فلسطين والزراعة فيها بشكل خاص".
ويعتقد لحلوح أن قطاع الدواجن شهد نقلة نوعية وغير مسبوقة منذ عام 1994 وحتى اليوم بفضل السياسات الحكومية وخطط وزارة الزراعة وتدابيرها، مشيرا إلى أن فلسطين حققت اليوم الاكتفاء الذاتي من لحوم الدواجن وفائضا يقدر بنحو 30%من الإنتاج. 
ويؤكد ان انخفاض الاسعار الحالية ليس مرده خلل في التخطيط والسياسات، بل هو ناجم عن اغراق الاسواق بدواجن مهربة من اسرائيل يسهل تمريرها عبر الحواجز العسكرية والمعابر الرسمية وغير الرسمية علاوة على الحدود المفتوحة.
 ويضيف: "نحن نمنع بتاتا استيراد لحوم الدواجن والصوص اللاحم من إسرائيل، ما يأتي يتم عبر التهريب وعبر حفنة من تجار الموت الجشعين"، لافتا إلى ان الوزارة تتابع هذا الموضوع مع الضابطة الجمركية وباقي الاجهزة الامنية المتخصصة والمعنية ومع وزارة الاقتصاد الوطني وتجري لقاءات مع المزارعين واصحاب الفقاسات ومزارع دواجن الأمهات لتدارس كيفية الخروج من الازمة الحالية. 
يشار إلى أن  استهلاك الضفة من الدجاج للاحم يتراوح بين 950 الفا ومليون دجاجة في الاسبوع، ولانتاجها نحن بحاجة الى 1،5 مليون بيضة تفقيس منها اكثر من 900 الف بيضة عبر 3 شركات محلية ونستورد  بين 500-600 ألف بيضة من إسرائيل.
ويؤكد ان هناك ترديا في سوق الدواجن في اسرائيل ما يدفع باتجاه تهريب الصوص اللاحم والدجاج الحي والمذبوح الى السوق الفلسطيني، مشيرا إلى أن الأجهزة المعنية تكثف اجراءاتها وتتخذ الإجراءات القانونية وهناك عمليات ضبط يومية.
ويضيف "نتابع ونراقب اشخاصا سبق وضبطوا في عمليات تهريب سابقة للكشف عن انخراطهم في انشطة جديدة، وعمدنا الى تعديل قانون الزراعة الفلسطيني لتشديد العقوبات على المهربين وردعهم بالسجن والغرامات من جانب ودعم المزارع وصموده واستمرار انتاجه بشتى السبل من جانب اخر".
 وتوقع ان تستمر حالة الانخفاض هذه لأسابيع قليلة، قائلا: "نرى أن خطرها على قطاع الدواجن محدود ويمكن تجاوزها وعودة تعافي هذا ليعود هذا القطاع الحيوي إلى التعافي".