’أصابع الاتهام’ توجّه إلى بلدية رام الله بعد هدم أحد المباني العريقة

تاريخ النشر
’أصابع الاتهام’ توجّه إلى بلدية رام الله بعد هدم أحد المباني العريقة
جانب من هدم المبنى

رام الله-BNEWS-أثار هدم أحد البيوت القديمة في مدينة رام الله، موجة من ردود الفعل الغاضبة في أوساط أهالي المدينة، الذين اعتبروه "جريمة" بحق الموروث الثقافي والتاريخي وتدمير لهوية المدينة، محمّلين وزارة السياحة والآثار والبلدية المسؤولية عن ذلك، ومطالبين بقوانين تمنع المستثمرين والمطورين العقاريين من هدم هذه المباني.
ويرى الأهالي أن مدينتهم باتت تتحول يومًا بعد يوم إلى كتل اسمنتية وعمارات شاهقة، لتتطغى على عراقة المدينة، وتاريخها المعماري والحضري، إلى جانب اختفاء المساحات الخضراء.
وسارعت بلدية رام الله لإصدار بيان أكدت فيها "حرصها وسعيها الدائم إلى الحفاظ على الموروث الثقافي في مدينة رام الله وحماية المباني التاريخية فيها من خلال الضغط بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات لصياغة قوانين حماية وطنية، إضافة إلى سعيها من خلال خططها الاستراتيجية التطويرية إلى الحفاظ على المباني التاريخية من خلال شراء أو استئجار أو استملاك بعضها، وحمايتها، وترميمها وتشغيلها، بهدف الحفاظ على التراث والقيمة التاريخية للمباني، وتوظيفها في مجالات فنية وإبداعية متعددة".
كما أكدت أنها تقوم مع مركز حفظ التراث الثقافي بإجراء دراسة تهدف لحماية البلدة القديمة والأبنية المنفردة في مدينة رام الله، إضافة إلى منح مواطني المدينة أحقية الانتفاع بملكياتهم بما يضمن حماية الأبنية التاريخية القديمة، سواء الموزعة في المدينة والموجودة ضمن حدود البلدة القديمة. وستقوم البلدية برفع الدراسة مع الأحكام إلى وزارة الحكم المحلي للمصادقة عليها، ليتم اعتمادها في حماية الأبنية كونه لا يوجد قانون ونظام يحمي هذه الأبنية التاريخية.
وقالت: "أما فيما يتعلق بالبيت الذي تم هدمه اليوم في شارع السهل في رام الله القديمة وبحسب سجلات بلدية رام الله، فقد تم ترخيص توسعة طابق تسوية واضافة طابق أرضي والبدء ببنائه بتاريخ 02/15/1967 في المرحلة الأولى، ومن ثم تمت إضافة ترخيص إنشاءات إضافية للبناء بتاريخ 1/06/1981 وبالتالي عمر البيت لا يتجاوز 51 عامًا ولا يعتبر من البيوت التاريخية ولا يحمل قيمة معمارية أو تاريخية استثنائية حسب القانون".
وأضافت: "وبناء على هذه المعطيات وكونه من البيوت غير المحمية من الهدم وفق الدراسة التي أعدتها البلدية مع شركائها مركز رواق للمعمار الشعبي وجمعية حفظ التراث في بيت لحم ووفقا للقانون الذي يحمي فقط المباني قبل العام 1917 فانه يسمح للمالك بالتصرف فيه وهدمه. ولا يمكن للبلدية ان تمنع هدم أي بيت اذا كان القانون يسمح بذلك ومع كل هذا تقوم بلدية وفي بعض الأحيان بحماية بعض المباني التي تحمل تاريخ وتراث المدينة عبر شراء أو استملاك تلك المباني لحمايتها مثل ما حدث مع دار جغب التي قامت البلدية بشرائه ولكن لا يمكن للبلدية وحسب امكانياتها شراء كل منزل غير محمي وبني بعد عام 1917".
وأوضحت البلدية أنه يجب التفريق بين المباني الجميلة والفضاءات العامة من حولنا وبين المباني التي تحمل في طياتها تاريخ وتراث المدينة. وذكرت أن بلدية رام الله وحفاظًا على التراث المعماري في مدينة رام الله قامت بتأهيل وترميم عدد من المباني القديمة، وهي: دار الصاع وحوش قندح، والمحكمة العثمانية، وبيت فرح، ودار شامية (مركز رام الله السياحي). كما قامت البلدية بترميم وتأهيل البلدة القديمة في رام الله، والتي تعتبر تاريخًا يواكب الأجيال وموروثًا حضاريًا يدل على أصالة المدينة، من خلال عملها على تأهيل البنية التحتية للبلدة القديمة، بهدف تزويد سكانها بجميع الخدمات الضرورية ضمن مقاييس تضمن نمط حياة مريح وسهل.
المهندسة حبش: بيان البلدية محاولة للتضليل
من جانبها، قالت المهندسة ناديا حبش إن البيان الصادر عن البلدية هو محاولة للتضليل، وأوضحت: "المادة رقم (4) من قانون رقم 11 لسنة 2018 بشأن التراث الثقافي المادي، تتيح المجال لحماية المباني المبنية بعد عام 1917 إذا ما حددت أنّ لها قيمة تراثية أو معنوية أو فنية ....الخ، وكان الأجدر بالبلدية إعلان ليس فقط البلدة القديمة وإنما قطع الأراضي التي عليها المباني التراثية المنفردة كمنطقة تخطيط وتطوير لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد مما يعني عدم إصدار رخص بناء أو هدم عليها لحين الانتهاء من إقرار الأحكام التنظيمية ولائحة المباني التي يجب الحفاظ عليها وحمايتها. ولكن هناك فهم خاطئ للموروث الثقافي المعماري باعتباره يشمل فقط الأبنية التراثية القديمة ولا يشمل الإرث الثقافي الحديث أو المعاصر مما يترك ثغرات في التسلسل الزمني للموروث الثقافي المحلي ويمحي ويغيّر ذاكرة المكان".
وأضافت: "من الأهمية بمكان الحفاظ على مبانٍ تؤرخ التطور المعماري والعمراني في المدينة وتكون شاهدًا على ذلك، ومنها هذا البيت الذي وبالتأكيد بني في أربعينيات القرن الماضي أو قبل ذلك وتمّ إغناؤه بما أضيف عليه لاحقًا في الستينيات أو الثمانينيات".
وتابعت: "من الضروري أن يؤخذ رأي سكان الحيّ بشكل خاص وسكّان المدينة وزوارها بشكل عام قبل الإقدام على أية عملية هدم ومحو لذاكرة المكان وقد أصبح هذا متاحًا بسهولة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي".
وقالت حبش: "ترتكب البلدية خطأً فادحًا بحق المدينة ومواطنيها بهذه السياسات التي ترضخ لضغط المستثمرين وتلبي مصالحهم على حساب المصلحة العامّة. أمّا وقد حصل الهدم فالأهم ماذا سيقام في هذا المكان الواقع ضمن حدود البلدة القديمة ولو أنه أُخرج منها تنظيميًا لعدم القناعة بضرورة أن تشمله قوانين الحماية".
وحمّلت حبش البلدية مسؤولية ماذا سيقام على هذا الموقع "كونه يشكّل واجهة البلدة القديمة وغير مقبول تبرير إقامة مبنى مرتفع بحجة سماح قوانين وأنظمة البناء بذلك، كما وغير مقبول تشويه خط الأفق تذرعًا بأنّ هذا قد مورس سابقًا وليس من العدل حرمان المستثمر من الارتفاع عموديًا، فالخطأ لا يبرر الخطأ والأخطاء والجرائم التي مورست سابقًا لا تبرر الاستمرار في ممارستها".
وطالبت البلدية بتحديد ما يمكن بناؤه في هذا الموقع وعرض التصاميم على المواطنين والمختصين وإعلانها للاعتراض شأنها شأن المخططات الهيكلية والتطويرية، قائلةً: "غير مقبول الوقوع في شراك جشع المستثمرين الذين لا يتوانون عن تدمير تاريخ المدينة باسم التطوير".

د.حمدان طه: المسؤولية تقع على عاتق الهيئات المحلية بالدرجة الأولى
بدوره، قال الباحث في علم الآثار والتراث الثقافي د.حمدان طه: "للحفاظ على ما تبقى من التراث المعماري المهدد وقبل فوات الأوان، لا بد من معاملة تمييزية لصنف التراث المعماري من بين أصناف التراث الأخرى التي يحددها القانون الجديد بقرار بسنة 1917، والعودة للعمل فورًا بأحكام حماية المباني التاريخية لسنة 2006 الصادرة عن مجلس التنظيم الأعلى، وما سبقها من ممارسة تخضع أي مبنى يقع في حدود البلدات القديمة، بغض النظر عن تاريخه، للفحص من قبل لجنة مشتركة من الهيئة المحلية ووزارتي السياحة والآثار والحكم المحلي، وتشكّل هذه الأحكام أساسًا مرجعيًا وقانونيًا لعمل البلديات والمجالس القروية، وعدم خلط التراث المعماري بالمواقع الأثرية التي ينطبق عليها تعريف القانون الجديد".
وأضاف: "إن هذه الأحكام توفر للبلديات والمجالس القروية آلية حمائية ملزمة للبلديات للحفاظ على التراث المعماري الذي يشكّل جزءًا لا يتجزأ من الهوية المعمارية والثقافية للبلاد، وهي مسؤولية تقع على عاتق الهيئات المحلية بالدرجة الأولى، ولابد من تحرك عاجل للجهات المعنية لوضع هذه الآليات موضع التنفيذ وعدم التذرع بالقانون الجديد لتدمير التراث المعماري باسم القانون".