"ماس" يناقش تقييم الحماية الاجتماعية في فلسطين

تاريخ النشر
جانب من الورشة

رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء لمناقشة نتائج دراسته بعنوان "تقييم الحماية الاجتماعيّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة: مكافأة نهاية الخدمة، وتأمين إصابات العمل، والإجازات المرضيّة، وإجازة الأمومة مدفوعة الأجر"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين.

أعد الدراسة فريق من الباحثين يرأسه د. بلال فلاح، وبمشاركة كل من محمد قيسي وعصمت قزمار ورند جبريل.

وأوضح المدير العام للمعهد رجا الخالدي أن موضوع الحماية الاجتماعية يشكّل عنوانا عريضا للسلطة ولم يتم المضي قدما في مواجهته، وهو منظومة كبيرة لها أجزاء عديدة مرتبطة لكنها تفتقر للتنفيذ والتخطيط.

وأوضح أن الحماية الاجتماعية لا تنتزع بل هي حق وتتطلب حواراً شاملاً متواصلاً.

وبين الخالدي أن هذه الدراسة حول إحدى جوانب الجاهزية لتطبيق نظام حماية توفر عدد من الأدلة حول نظرة أصحاب العمل والعمال تجاه هذا النظام، انطلاقاً من بحث حول مدى الإلتزام بقانون العمل، وهو أحد ركائز نظام الحماية.

من جانبها، بينت بثينة سالم ممثلة وزارة العمل إن الوزارة تبذل جهودا حثيثة في سبيل إصلاح القوانين ورفع مستوى الحماية الاجتماعية، وكذلك رفع مستوى الامتثال لأحكام القوانين، وبينت أن هذه الجهود تحتاج لها الوزارة دائما من أجل إجراء مراجعات خاصة في المجال البحثي.

فيما أوضحت مديرة البرامج في منظمة العمل الدولية رشا الشرفا أن هذه الورقة البحثية مرتبطة بموضوع الحماية الاجتماعية، وهي امتداد لسلسلة من الأنشطة مع شراكائها في فلسطين من أجل إصلاحات في منظومة الحماية الاجتماعية والنهوض بها لترتقي وتستجيب لمطالب العمال، وبينت أن هذا اللقاء يهدف إلى تسليط الضوء على التحديات الموجودة في سوق العمل الفلسطيني، ومستحقات العمال بموجب قانون العمال بما يتضمن مستحقات نهاية الخددمة، وكذلك مستحقات الأمومة.

يهدف هذا البحث لاستكشاف فعاليّة وإمكانية الوصول والحصول على مُستحقّات الحماية الاجتماعيّة الّتي ينبغي لأصاحب العمل تأمينها بموجب قانون العمل الساري، بالذّات تلك المتعلّقة بمكافأة نهاية الخدمة، وإصابات العمل، وإجازة الأمومة، والإجازة المرضيّة مدفوعة الأجر.

باستخدام بيانات التّقارير الذّاتيّة لأصحاب العمل والعاملين والعاملات بخصوص ظروف العمل، يظهر هذا التّقييم أن امتثال أصحاب العمل يتفاوت بحسب طبيعة التأمينات. اذ ترتفع نسبة الامتثال نسبيا على صعيد الأحكام الخاصّة بإصابات العمل ومخصصات الإجازة المرضيّة مدفوعة الأجر. أما بخصوص  مُستحقّات مكافأة نهاية الخدمة، فضعف الامتثال هو سيد الموقف.

أما بخصوص إجازة الأمومة مدفوعة الأجر، فتشير النتائج الى غالبية النساء اللّواتي أنجبن أثناء العمل لدى صاحب عملهن قد تلقينها.

إلا أن النتائج تشير الى أن النساء بشكل عام يخترن العمل لدى أصحاب العمل الممتثلين لهذا الاستحقاق. أي أن هذه النتيجة لا تعكس  بالضرورة امتثالا عال لدى مجمل أصحاب العمل.

من حيث فعالية القدرات المؤسّساتيّة، تشير النتائج الى أن العقوبات الّتي يفرضها قانون العمل غير رادعة لأصحاب العمل غير الممتثلين ولا تضمن الوصول التّام والشامل إلى مُستحقات الحماية الاجتماعيّة.

قد تُضّطر العاملات والعمّال المتضرّرين إلى تحريك دعاوى مدنية لإلزام أصحاب العمل بالامتثال.  بالنّسبة للعمّال والعاملات، إنّ المُضي بهذا الاتجاه مكلف ومحفوف بالمخاطر خِشية انتقام أصحاب العمل لا سيّما إن كانت فرص العمل البديلة نادرة.

جدير بالذكر أن التفتيش على الالتزام بدفع مكافأة نهاية الخدمة ليس ضمن مهام أنشطة التّفتيش الّتي تقوم بها وزارة العمل كونها لا تُستحق إلّا في نهاية مدة التوظيف.

إن حُرمت عامل/ة من هذا المُستحق، يحقّ لها تقديم شكوى لدى وزارة العمل أو رفع دعوى قضائيّة على أصحاب العمل لعدم الامتثال. لكن في ظل ضغوط عمليّة التقاضي المطوّلة والمكلفة، قد تتنازل العاملات والعمّال لأصحاب العمل ويقبلون بتعويضٍ أقل مما ينصّ عليه القانون بالخصوص.

كما أن القدرات المؤسساتية لتعزيز قدرة العمّال على الوصول إلى أحكام النظام الاجتماعي ضعيفة.

ويعزا ذلك الى ضعف قدرة وزارة العمل على إنفاذ الأحكام الخاصة بقانون العمل بسبب الافتقار إلى إجراءات تفتيش رادعة وغير فعالة رادعة والذي يمكن أن يعزى إلى عدد من العوامل والتي يشمل أهمها: النقص في مرافق التفتيش (النقل بشكل أساسي)، ونقص الموارد البشرية، وضعف الحوافز لإجراء عمليّات التفتيش، وأعباء الشهادات في حالة رفع المخالفات إلى المحكمة.

إن العائق الرئيس الذي يحول دون الوصول الفعال والكفؤ إلى مُستحقّات الحماية الاجتماعيّة هو الافتقار إلى محاكم العمل، حيث أن عدد القضاة حاليا غير كاف، ناهيك عن كونهم مثقلين بقضايا أخرى. زِد على ذلك إجراءات التقاضي، بما في ذلك الدّعاوى العمّاليّة الّتي يطول البت بها جرّاء نظام التّبليغ القضائي غير الفعال والذي يعيق وصل العاملات والعاملين لاستحقاقاتهم.

ثَمَّ عامل آخر يُعيق الوصول إلى الحماية الاجتماعيّة وهو إلمام أصحاب العمل والعاملات والعمّال بالأحكام ذات الصلة، فغالبية أصحاب العمل والعاملين لديهم معرفة محدودة بأحكام مكافأة نهاية الخدمة، والإجازة السنوية مدفوعة الأجر، ووقت استحقاق إجازة الأمومة مدفوعة الأجر.

توصي الدراسة بتعزيز القدرات المؤسّساتيّة اللازمة لوصول العاملات والعمّال إلى مُستحقّات الحماية الاجتماعيّة والحصول عليها بموجب قانون العمل الساري، نوصي بإنشاء محاكم العمل؛ وزيادة عدد القضاة؛ ورفد كوادر التّفتيش لدى وزارة العمل بالمزيد من الموارد؛ والتّوعية بأحكام الحماية الاجتماعيّة.

وتبين الدراسة أن تحميل أصحاب العمل مسؤولية توفير استحقاقات الحماية الاجتماعية وكافّة تكاليفها تثقل كاهلهم ويُتوقع أن يقاوم العديد من أصحاب العمل الامتثال لها (لا سيّما فيما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة)؛ وقد يخشى العاملات والعمال من انتقام أصحاب العمل إذا طالبوا بامتثال مشغليهم.

وعليه، ينبغي النّظر في اعادة فتح الحوار والتفاوض بين أطراف العمل لاستبدال أحكام قانون العمل الخاصة بالحماية الاجتماعية بنظام ضمان اجتماعي.

وفي هذا الاطار، استكشفت الدراسة مواقف أصحاب العمل والعاملات والعمّال من قرار بقانون رقم (19) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي وبينت أن معدل الموافقة على هذا القانون منخفض، لكن العديد من العاملات والعمّال وأصحاب العمل لم يحسموا أمرهم.

كما يتضح من النتائج أن معدل الموافقة مرتبطة بشكل مباشر بدرجة إلمام الأطراف بأحكام القانون.

تُظْهِرُ بيانات مسح ظروف العمل أن مستوى أعلى من الدراية يرتبط بمزيد من التأييد للقانون المُعلَّق، ما يشير إلى أن تعزيز الوعي بقانون الضمان الاجتماعي هو المفتاح لضمان تقبله على نطاق واسع.

وتبين الدراسة أن مراجعة قانون الضمان الاجتماعي المُعلَّق يجب أن تأخذ في الاعتبار عددا من القضايا لضمان نتيجة مثمرة.

تُظْهِرُ النتائج أن أسباب معارضة قانون الضمان الاجتماعي المُعلَّق، بحسب من شملتهم عينة الدراسة، تشمل تحفظاتٍ على بعض أحكامه، وانعدام الثقة في إدارة صندوق الضمان الاجتماعي، واننخفاض الثقة بالسلطة الفلسطينية والخوف من انهيارها.

ويرجع السبب الأخير على الأرجح إلى الاضطرابات السياسية المزمنة واستمرار الاحتلال الإسرائيلي.

عِلاوة على ذلك، يستدعي إنفاذ نسخة منقحة من قانون الضمان الاجتماعي موارد كافية لدى مؤسسات الحماية الاجتماعيّة وعلى رأسها المنظومة القضائية ووزارة العمل.

أمّا في حال عدم النّهوض بالقدرات الضعيفة الرّاهنة، فمن المرجح أن يكون الامتثال واسع النطاق غاية بعيدة المنال.  وذلك أمر يثير تساؤلات حول إذا ما كان تمويل الضمان الاجتماعي أمر مستدام.   

ثَمَّ قضية أخرى تتعلق بتمثيل العاملات والعمّال في الحوار المجتمعي.

تظْهِرُ بيانات مسح ظروف العمل أنّ معظم العاملات والعمّال بأجر غير منتسبين إلى نقابات عمالية داخل المنشآت الّتي يعملون لديها أو خارجها.

وبطبيعة الحال، من المتوقع أن يفتقر الحوار المجتمعي إلى الشرعية من قبل معظم العاملات والعمّال ما لم يتم معالجة قضية التمثيل.

أما بالنّسبة لأصحاب العمل، فيجب التأكد من أنهم يلتزمون التزاما تاما بنتائج الحوار المجتمعي.

ختاما، تظل تسوية مكافأة نهاية الخدمة عن الفترة السابقة على إنفاذ قانون الضمان الاجتماعي، على النحو الذي حددته المحكمة العليا، قضية ضروريّة لا بدّ من معالجتها.

يجب أن تكون هذه القضية جزءا من أي حوار مجتمعي مستقبلي لاستكشاف سُبل تقليص العبء المالي الذي يتوقع أن يتحمله أصحاب العمل مع الحفاظ على الاستحقاقات التي تراكمت للعمال بموجب قانون العمل.

قد تشمل هذه السّبل دفع مكافأة نهاية الخدمة في نهاية مدة التوظيف أو الدّفع بالتقسيط لفترة ممتدة.