تقرير: 40% نسبة التضخم في فلسطين خلال 15 عامًا

تاريخ النشر
صورة توضيحية-تصوير وكالات

رام الله-(الحياة الجديدة)- تظهر بيانات مجمعة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك في فلسطين سجّل ارتفاعًا بنسبة 40% منذ عام 2006 وحتى نهاية العام الماضي 2021.

ويتضح من البيانات التراكمية التي حصلت عليها صحيفة "الحياة الجديدة" المحلية أن مجموعة المواد الغذائية والمشروبات المرطبة والتي تمثل أهمية نسبية بمقدار 28% من سلة إنفاق المستهلك قد سجلت ارتفاعا نسبته 47% خلال 15 عاما.

وبمعنى آخر، فإن مواطن في فلسطين كان يتقاضى ألف شيقل في عام 2006 يلزمه حاليًا 1400 شيقل كي يشتري من السوق نفس المشتريات التي كان يشتريها قبل 15 عاما بالألف شيقل.

وسجلت أسعار المستهلك تفاوتًا بين المناطق الفلسطينية المختلفة، فكان أعلاها في القدس بنسبة 48.6%، وفي الضفة بنسبة 42.3%، وفي غزة بنسبة 32.4%.

%47 نسبة الارتفاع في المواد الغذائية

وتقاس أسعار المستهلك باحتساب قيم 14 مجموعة سلعية وخدمية يكون لكل واحدة منها وزن في مؤشر غلاء المعيشة تبعًا لأهميتها النسبية في سلة إنفاق المستهلك، وأكثرها أهمية مجموعة المواد الغذائية والمرطبة التي تشكّل نحو 28% في المؤشر(أي أن المستهلك الفلسطيني ينفق 28% من دخله على المواد الغذائية والمرطبات).

وسجلت هذه المجموعة التي يقاس فيها أسعار أكثر من 200 سلعة ارتفاعًا منذ عام 2006 نسبته 47.6%، إذ ارتفعت بنسبة 50.2% في الضفة، و63.4% في القدس، و40.6% في غزة.

ارتفاع في معظم المجموعات

تظهر الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء أن معظم المجموعات السلعية والخدمية المحتسبة في مؤشر غلاء المعيشة سجلت ارتفاعات متباينة.

فقد ارتفعت أسعار مجموعة النقل والمواصلات والتي تشكّل وزنًا نسبته 14% في مؤشر غلاء المعيشة بنحو 18%، وذلك بارتفاع نسبته 28% في القدس، و31% في غزة و17% في الضفة.

وتأتي مجموعة المسكن ومستلزماته في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية (بعد مجموعة المواد الغذائية والنقل والمواصلات)، إذ تمثل وزنًا نسبته نحو 10%  في مؤشر غلاء المعيشة، وهذه المجموعة سجلت ارتفاعًا بنسبة 30.8% من عام 2006 حتى نهاية العام 2021. فقد ارتفعت تكاليف المسكن ومستلزماته في الضفة بنسبة 36.55، وفي القدس بنسبة 43.5%، وفي غزة بنسبة 20%.

وتمثل ثلاث مجموعات (مجموعة الغذاء، والنقل والمواصلات، والمسكن ومستلزمات) نحو 52% من سلة إنفاق المستهلك الفلسطيني، أي أن المواطن ينفق عمليًا 52% من دخله على هذه المجموعات الثلاث، بينما تشكّل المجموعات الـ11 الأخرى أوزانا أقل أهمية في المؤشر، ولكن بنسب متفاوتة.

واحتلت مجموعة المشروبات الكحولية والتبغ أعلى نسبة ارتفاع خلال 15 عامًا، فقد بلغت نسبة الارتفاع إلى 136.9%، بنسبة 134% في الضفة، و135% في القدس، و128% في غزة.

وتعود نسبة الارتفاع العالية في هذه المجموعة تحديدًا إلى مضاعفة الرسوم الجمركية أكثر من مرة خلال هذه الفترة على الدخان والتبغ.

وسجلت الخدمات الطبية ارتفاعا بنسبة 34.6% خلال هذه الفترة، وخدمات التعليم بنسبة 35%، والأقمشة والملابس والأحذية بنسبة 9.4%، والأثاث والمفروشات والسلع المنزلية بنسبة 21%، والسلع والخدمات الترفيهة والثقافية بنسبة 28.7%، وخدمات المطاعم والمقاهي والفنادق 71%، وسلع وخدمات متنوعة بنسبة 52%، فيما شذت مجموعة الاتصالات عن القاعدة لتنخفض بنسبة 7% خلال هذه الفترة.

السلع الأكثر ارتفاعًا

وكانت أكثر السلع ارتفاعًا خلال الـ 15 عاما الماضية (حسب سنة الأساس 2018)، الخضراوات المجففة بنسبة 108%، والفواكه الطازجة بنسبة 105%، والخضراوات الطازجة بنسبة 78%، والغاز بنسبة 73%،  والأرز بنسبة 66%، والدجاج الطازج بنسبة 57%، واللحوم الطازجة بنسبة 47%، والزيوت النباتية بنسبة 47%، والمحروقات بنسبة 32%، والبيض بنسبة 26%، والبطاطا والدرنيات بنسبة 24.8%،  فيما سجل دقيق الحبوب ارتفاعًا بنسبة 7.6%.

التضخم مستورد

ويعلق الخبير الاقتصادي د. بكر اشيتة على الأرقام، قائلا "التضخم خلال 15 سنة في فلسطين يصل إلى متوسط 3% في العام الواحد، وهذا يعتبر طبيعيًا وضمن النسب العادية في العالم، لكن المشكلة في فلسطين أن التضخم مستورد ولا يعبّر عن مستويات نمو حقيقية".

ويضيف: "أكثر من 75% من استهلاكنا مستورد، ونحن لسنا متحكمين في مدخلات الإنتاج، لذلك فإن ارتفاع الأسعار غالبًا يتم استيراده من الخارج، فتلك الدول تحقق مستويات نمو عالية ما يتسبب بارتفاع في الأسعار وهذا ينعكس على اقتصادنا كون السلع والمنتجات معظمها مستوردة".

ويؤكد د. اشتية أن المشكلة لا تكمن من تضخم ناجم نتيجة زيادة الطلب على الاستثمارات وعمليات الإنتاج، لكنه ناجم من عمليات تمويل خارجية عن طريق زيادة الواردات كون أن استهلاكنا يعتمد على الاستيراد، مشيرًا إلى أن الطلب على السلع يزيد نتيجة القوة الشرائية المتوفرة من أكثر من جانب منها أجور عمالنا داخل الخط الأخضر، وكذلك التسوق من قبل فلسطينيي الداخل في مناطق السلطة الوطنية، بالإضافة إلى أجور العاملين في القطاعين العام والخاص.

وينوه د. اشتية إلى أن نسبة التضخم في الضفة أعلى من غزة رغم اعتماد كليهما على البضائع المستوردة، نظرًا لأن القوة الشرائية في الضفة أعلى بكثير مقارنة مع غزة، وليس نتيجة عمليات إنتاج.

يذكر أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة أعلى منه في غزة بنحو أربعة أضعاف.

أما بخصوص ارتفاع مجموعة المواد الغذائية والمشروبات المرطبة بنسبة 48% خلال 15 عامًا، فأوضح د. اشتية أن هذا يعدّ مؤشرًا سلبيًا للغاية كون أن استمرار ارتفاع الأسعار في الغذاء الذي يمثّل الوزن الأعلى في المؤشر يقود إلى المس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، فالغذاء يشكّل 28% من سلة إنفاق الأسرة، وبالتالي ارتفاع أسعاره يعني زيادة إنفاق الأسر على الأساسيات على حساب احتياجات أخرى ما قد يتسبب بزج فئات اجتماعية أخرى إلى دائرة الفقر، خاصة انه لا يوجد دعم حكومي للسلع الأساسية.

وبين د. اشتية أن الحكومة لا تستطيع وقف التضخم باعتباره مستوردًا، ولا يمكنها كذلك تقديم دعم حكومي للسلع الأساسية كونها تعاني من أزمة مالية، وبالتالي ينبغي إعادة النظر في بروتوكول باريس الاقتصادي بما يخدم المصلحة الفلسطينية من خلال تبني نظام ضريبي أكثر عدالة مثل إلغاء ضريبة القيمة المضافة التي تفرض بنسبة واحدة على مختلف السلع في مراحلها النهائية ولا تعطي ميزة للسلع الأساسية.

وأضاف: "ما هو أنسب لنا تبني نظام ضريبي يقوم على ضريبة المبيعات التي تتيح المجال لفرض قيم ضريبية حسب نوع السلعة، وحينئذ يمكن تقديم تسهيلات أو إعفاءات  ضريبية للسلع الأساسية وفرض قيم ضريبية عالية على بعض السلع غير الأساسية لتعويض الفارق".

ويقول د. اشتية "البقاء تحت عباءة القيمة المضافة لن يغير الواقع، وستبقى السلع الأساسية تتأثر بالارتفاعات العالمية دون إمكانية لتقديم دعم حقيقي لها، وهذا بكل تأكيد سيمس الطبقات الفقيرة والمهمشة وذوي الدخل المتوسط".

 توقعات..ارتفاع الأسعار سيتسمر

ومن المتوقع أن يتستمر مؤشر غلاء المعيشة في الارتفاع هذا الشهر والأشهر القليلة المقبلة مع وجود مؤشرات على ارتفاع وشيك على بعض السلع أو تسجيل ارتفاع حقيقي على أخرى.

فقد ارتفعت أسعار السجائر والتبغ بنحو "شيقل" للعلبة الواحدة، كما سجّل الأرز من فئة 25 كغم ارتفاعًا بنحو 5 "شواقل" ليباع لدى بعض المحال بـ135 "شيقلا" بدلا من 130 "شيقلا".

كما يتوقع أن تسجّل أسعار بعض المشروبات الغازية والعصائر المحلاة ارتفاعًا مع مطلع الشهر المقبل بنحو "شيقلين" للتر الواحد بعد فرض ضرائب خاصة على تلك المشروبات من الجانب الإسرائيلي.

ومن المرجّح أن تشهد بعض أسعار الخضراوات ارتفاعًا وخاصة البندورة والخيار والباذنجان والكوسا بعد تعرض محاصيل للتلف تأثرًا بموجة الصقيع الأخيرة.

وعلمت "الحياة الجديدة" من مصدر مطلع أن الحكومة تتجه لاعتماد تعرفة جديدة لأسعار الكهرباء مع مطلع الشهر المقبل، وغالبًا ستشهد الأسعار ارتفاعًا بنسبة لا تقل عن 5% لمعظم الشرائح وذلك تأثرًا بارتفاع الأسعار من المصدر أي الجانب الإسرائيلي، ما سينعكس في الغالب على كلفة إنتاج بعض المنتجات المحلية، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الاستهلاك المنزلي للكهرباء.