’نداء الأزمة’... استثمروا في الكفاءات والعقول/ بقلم: الدكتور سعيد صبري

تاريخ النشر
’نداء الأزمة’... استثمروا في الكفاءات والعقول/ بقلم: الدكتور سعيد صبري
الدكتور سعيد صبري، مستشار اقتصادي دولي وشريك إقليمي لصندوق دعم المبادرات "فاستر كابتل" –دبي

رام الله-أخبار المال والأعمال- فيما يلي مقال بعنون "نداء الأزمة"...استثمروا في الكفاءات والعقول، للدكتور سعيد صبري، مستشار اقتصادي دولي وشريك إقليمي لصندوق دعم المبادرات "فاستر كابتل" –دبي.

____________________________________________

لقد كشقت جائحة كورونا (مرض كوفيد- 19) ترهّل الأنظمة العالمية والإستراتيجيات للأنظمة الدولية والتي كانت تتغنى بقدراتها الإستراتيجية المتبعة في رسم الخطط والتوجهات للعالم.

يقف العالم اليوم مصدوما من هول الفشل في أداء الأنظمة المتصدرة للقوى الاقتصادية العظمى ـ وحجم الانبهار الأكبر في مشاهدة تلك الاقتصاديات تتعرض للعاصفة وتعجز عن الوقوف أمام تلك التحديات، وتتهاوى بعض هذه المنظومات التي اعتدنا أن نلقبها بملوك الاقتصاديات، فما بات إلا ان يشكّل هذا التصدّع شرخا للهيكلية الاقتصادية، فما لبثت تلك الاقتصاديات إلا أنها قامت بمراجعة كافة أنظمتها وإصلاح النظم وايجاد حلول سريعة وبديلة، ووضع الأولويات، مدركة المخاطر التي قد تنشأ إذا لم يتم علاجها.

ومن أحد القرارات المتخذة: تعيين ترمب للمغربي منصف السلاوي الخبير البيولوجي على رأس الفريق الطبي لتطوير لقاح فيروس كورونا: "رئيسا لهيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي"، متى يتوقف نزيف هجرة الأدمغة؟

بينما ينشغل العالم في البحث عن وسائل وقاية صحية وعلاج لفيروس كورونا، الذي يستمر بحصد المئات بل الآلاف من البشر يوميا وتتوالى الأرقام من مختلف عواصم العالم من خلال وزارة الصحة في تلك البلدان والإعلان برصد ما يحصده هذا المرض يوميا، وتقارير اللجان الوبائية، بينما يواصل الاقتصاد الوطني بتعميق الهوة الاقتصادية أسوة بالاقتصاد العالمي، فمؤشرات الإنكماش الاقتصادي واضحة جليا، فتهاوي أسعار النفط، وإنهيار الأسهم في البورصات العالمية لهو دليل واضح أن الاقتصاديات بالعالم تعاني من أمراض مستعصية، ويقدّر عدد دول العالم التى تتعرض للإنكماش الاقتصادي قرابة 170-180 دولة من دول العالم وهذا سيؤدي الى انكمكاش عالمي كما تتوقع رئيسة صندوق النقد الدولى بأن العالم سيشهد كسادا يشابه "الكساد العظيم" الذي حدث عام 1929.

يتوقع المحللون الاقتصاديون العالميون أن تتكبد الاقتصاديات العالمية خسائر كبيرة، ناهيك عن عجز الشركات في تحقيق أرباح أو تسديد التزماتها.

ومن المتوقع مع الربع الثالث من هذا العام أن تعلن 50% من الشركات إفلاسها، وقد يؤدي الى بطالة قد تصل الى ملايين الناس في دول كالولايات المتحدة والصين، ومن المؤكد أن أثرها سينتشر تباعا على المنطقة العربية، فيما بادرت الكثير من الدول بالإعلان عن عجز في الموازنات الحكومية نتيجة لتعطل الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة.

وفي هذا السياق، بجب إعادة النظر والتمحيص في النظام الرأسمالي الفلسطيني والنظر مليا الى كفاءته والتمعن بقدرته على مواجهة الحقائق الاقتصادية بثبات، مع أن الدراسات والواقع يؤكد أن 8% من القطاع الخاص الفلسطيني قادر على تحدي الأزمة بينما 92% من القطاع الخاص الفلسطيني يعاني من محدودية الدخل والسيولة.

وهنا يقدونا الى أمرين مهمين، الأول: البطالة المؤهلة، والثاني: البطالة غير المؤهلة، فقد تشير الاحصائيات إلى أن عدد البطالة المؤهلة بين صفوف الشباب تصل الى 65% من عدد سكان منطقه الشرق الأوسط والذين يمثلون نصف عدد سكان المنطقة وشمال أفريقيا ويؤدي الى تصدير تلك الكفاءات العلمية المؤهلة الى دول الغرب، فقد أشارت الإحصائيات إلى أن الدول العربية تخسر سنويا ما مقداره 200 مليار دولار من ظاهرة مغادرة كفاءات الوطن لدول الغرب.

ومن بين تلك الاحصائيات التي قد حصلت عليها حديثا، مؤشرات مثيرة تدعو قادة الدول العربية الى البجث عن حلول عملية لرفد قطاع الشباب والبطالة المؤهلة فقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أن 60% من الأطباء، و30% من المهندسين، و25% من العلماء من مجموع الكفاءات الشابة والريادية يهاجرون الى أوروبا والولايات المتحدة وكندا، كما أن الأطباء العرب يشكّلون 50% من مجموع الأطباء العاملين في انجلترا، كما تستقطب الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا ما يقارب من 75% من المهاجرين العرب ومن ذوي الكفاءات.

نحن نعاني من أزمة حقيقية ليست أزمة كورونا، إنها أزمة اقتصادية وضعف القطاع الخاص بأن يكون قطاعا يعتمد عليه في الأزمات باستيعاب الأيدي العاملة الفلسطينية والمساعدة في تطوير أفكار اقتصادية متميزة للمواطن، وهنّا أتوقف لحظه لأسأل القطاع الخاص الفلسطيني، ماذا أعددتم لاستيعاب قوافل الكفاءات الشابة؟ وأين الحكومة من توفير الفرص ومراكز البحث والتطوير للكفاءات الشابة المتميزة؟ وأين مراكز الإبداع للقطاعات كالقطاع الصحي والقطاع الزراعي أو التنكولوجي لكي نتمكن من تثبيت المواطن على أرضه؟ وأين الأنظمة والتشريعات الحكومية التي تسعى الى تطوير قاعدة الاستقطاب للمبدعين بدل من تلك الدول الغربية؟ كفانا أن نتغنى بالجاليات، فنحن بحاجة لهم بالوطن والمفروض على حكومة كالحكومة الحالية أن تكون الحاضنة للكفاءات الفلسطينية والعمل على تأسيس مراكز حاضانات علمية واقتصادية وابداعية والسعي نحو تغيير حياة المواطن نحو رؤية ناضجة تعتمد على التطوير الاقتصادي وليس على الإعانة الاجتماعية المؤقتة.

إن حتمية العالم الجديد سيقود التَوجُّهات للدول لإصدار قرارات ملزمة لاتحادات المصارف والبنوك والقوى الرئيسة التي تشكّل "القبضة الحديدية" على اقتصادات الدول، ودعوتها لتشكيل مؤسسات مستدامة تضع الأصول والمعايير لترتيب وتنظيم الموارد الاقتصادية، ونسب الضخ من أموالها في السوق، وإقامة شراكات وثيقة بين القطاعات العامة والخاصة.. تداركاً لما يواجه العالم من مخاض مرتفع الوتيرة في ولادة نظام عالمي جديد محتوم، تشير له البوصلات العالمية مجتمعة.

وفي قراءة متمعنة للاقتصاد القادم سيعتمد على "الاقتصاد الأخضر" وهو أحد وجوه "العالم الجديد" تتصاعد المرجِّحات في مجال الطاقة فقط، لبروز ارتكاز قوي على أنظمة "الطاقة المتجددة"، ما سيغير صورة "الطاقة" السائدة، بمصادرها المعتادة، وبخاصة مع التوقعات التي تفيد بأنه وبحلول عام 2050 سيشكل ما نسبته من 70% إلى 80% كاستخدام لهذا النوع من الطاقة، في جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية والاتحاد الأوروبي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.. ما يزيد من التساؤلات حول تحولات أنظمة الطاقة، وانعكاساتها على باقي المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها. وهذا ما يوافق آخر تقارير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا"، إذ إن تلبية نداء العالم من خلال بناء نظام اقتصادي مستدام ومرن، تعني تنسيقاً أكثر وتكاتفاً أوسع في تقديم جهود الإنعاش الاقتصادي العالمي. ذلك أن الأزمة تطلق نداءً للشراكة بين كافة القطاعات والقوى الاقتصاديه الوطنيه بالعمل ، ممثلةً في ذات الوقت بيئة غنية بالفرص.وفي سياق تأكيد الشراكة نقترح اقامه نموذجاً ذكياً من خلال إطلاق صندوق وطني ينشر التقارير الإرشادية الناظمة لممارسة المسؤولية المجتمعية للشركات والابداعات والمبتكرين خصوصا في قطاعات لطاقة البديلة والزراعة والصحية والأنظمة التكنولوجية، شاملةً أفضل الممارسات المسؤولة من منظور المؤسسة والموظف والمستهلك، والحلول المبتكرة لضمان استمرارية العمل وجودته، إضافةً لوضع المبادئ التوجيهية للمؤسسات لتنفيذ مبادرات مجتمعية تدعم الموظفين والعملاء والمجتمع.