تحقيق: كيف ساهمت عودة العمال من إسرائيل في تفشي الوباء؟

تاريخ النشر
تحقيق: كيف ساهمت عودة العمال من إسرائيل في تفشي الوباء؟
عمال فلسطينيون يدخلون إلى إسرائيل عبر فتحات في السياج الفاصل-أرشيف وكالات

رام الله-أخبار المال والأعمال-ترجمة خاصة- نشرت وكالة "الميديا لاين" الأميركية، مساء الخميس، تحقيقا صحفيا أجرته مراسلتها ديما أبو ماريا في الضفة الغربية، حول العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وكيفية نقلهم لعدوى فيروس كورونا إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم عند عودتهم. لقراءة التحقيق باللغة الانجليزية من هنا

ويتضمن التحقيق لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، ويتهم الفلسطينيون بالأرقام والوثائق إسرائيل بمحاولة نشرها للفيروس في الأراضي الفلسطينية من خلال إعاقة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية للحيلولة دون تفشي الوباء، بينما ينفي المسؤولون الإسرائيليون هذه التهمة.

ويركز التحقيق على زيادة عدد الفتحات في السياج الفاصل والعبارات تحت جدار الفصل العنصري وفتح الحواجز والبوابات الحديدية التي تفصل الضفة عن أراضي الـ48، في محاولات لتهريب العمال الفلسطينيين أثناء ذهابهم وعودتهم إلى ومن إسرائيل، حتى لا يمرّوا بالإجراءات الأمنية والصحية الفلسطينية للكشف عن المصابين، ونقلهم إلى مراكز الحجر الصحي إذا كانوا مصابين أو إرشادهم إلى الحجر المنزلي.

ويشير التحقيق إلى سماسرة نقل العمال الفلسطينيين الذين يتقاضون مبالغ مقابل تهريب العمال إلى إسرائيل.

وإليكم الترجمة الكاملة للتحقيق:

يقول بعض الفلسطينيين إن فيروس كورونا ينتشر عمداً من خلال العمال العائدين، وهو اتهام ينفيه الإسرائيليون بشدة.

وتلقي السلطة الفلسطينية باللوم على إسرائيل في ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا "كوفيد 19" بالضفة الغربية، الأمر الذي أثار غضب الحكومة الإسرائيلية، التي حذرت من عواقب وخيمة إذا استمرت الاتهامات.

وتقول وزارة الصحة الفلسطينية إن أحدث حالات الإصابة بفيروس كورونا يمكن ربطها بعودة العمال، حيث دخل بعضهم عبر طرق غير خاضعة للرقابة - وهي تهمة تقول بعض الأرقام في الضفة الغربية إنها تشير إلى محاولة مدبرة من جانب إسرائيل لنشر الوباء بشكل أكبر.

الأسبوع الماضي، بعد تشخيص إصابة 15 عاملاً - جميعهم يعملون في منطقة عطاروت الصناعية التي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بين رام الله والقدس- بفيروس كورونا، اتهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إسرائيل بإعطاء الأولوية لاقتصادها على حساب صحة الناس.

وقال اشتية: "الفجوة الحقيقية في المعركة الفلسطينية ضد انتشار فيروس كورونا هي الاحتلال الإسرائيلي، إن مستوطناته وحواجزه وجميع إجراءاته تحاول إحباط جهودنا لحماية شعبنا... اقتصاد إسرائيل ليس أغلى من حياة أبنائنا".

قبل أيام، قال مسؤول أمني إسرائيلي لوسائل الإعلام الإسرائيلية إن اتهامات السلطة الفلسطينية كانت "حملة تحريض عنصرية ضد الجيش الإسرائيلي وإسرائيل".

ووفقًا لتقارير نشرتها القناة 12 الإسرائيلية، أرسلت الحكومة الإسرائيلية "رسائل قوية جدًا" إلى كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، بما في ذلك اشتية، محذرة من أنه إذا استمرت مثل هذه الاتهامات، فإن إسرائيل ستتخذ إجراءات بشأن التنسيق الأمني وحرية الحركة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

تقع مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، بالقرب من مدينة نتانيا الإسرائيلية من جهة الغرب، ومدينتي نابلس وجنين من الشرق، مما يجعلها نقطة عبور رئيسية للعمال.

محافظ طولكرم عصام أبو بكر قال لـ "الميديا لاين"، إنه قبل نحو خمس سنوات، بدأ العمال في العبور بشكل غير قانوني عبر فتحات في السياج الفاصل وقنوات الصرف تحت "جدار الفصل العنصري".

وأضاف: "لقد كنّا ضد ذلك منذ البداية. قبل انتشار فيروس كورونا، كانت المعابر غير القانونية مسألة أمنية واستغلال للعمال. ولكن الآن أصبحت القضية مرتبطة بمصير شعبنا وصحته".

وتابع: إن السياسة الرسمية كانت محرجة لأنها تتطلب التعاون مع إسرائيل فيما يتعلق بالحواجز التي رفضتها القيادة الفلسطينية منذ فترة طويلة.

وقال: "نحن ندين جدار الفصل العنصري بالطبع، ولكن عندما نتصل بالإدارة المدنية الإسرائيلية، ترد إسرائيل بإلقاء اللوم على شركة خاصة تدير نقاط العبور. فقط تلقي المسؤولية على أطراف الأخرى".

ويعتقد أبو بكر أن "هناك عصابات فلسطينية تتعاون مع إسرائيل لتهريب العمال".

وأوضح: "إنه ليس تعاونا أمنيا ولكن أقرب إلى علاقات العمل. يتقاضون من كل عامل ما بين 100 و200 شيقل مقابل الدخول الآمن إلى إسرائيل والعودة إلى الضفة الغربية. في أوقات أخرى، وجدنا بوابات (على طول الخط الأخضر عادة ما تكون مغلقة أومقفلة) مفتوحة على مصراعيها، كما لو أن الجيش الإسرائيلي يريد أن يحدث ذلك، سواء لأسباب تتعلق بزيادة الحاجة للقوى العاملة أو لخلق وضع غير مستقر في الضفة الغربية وسط وباء عالمي".

ناطق باسم الجيش الإسرائيلي قال لـ "الميديا لاين" إن الجيش يعمل بطرق علنية وسرية على طول الحدود من أجل منع العبور غير القانوني، وفي ضوء الوباء، زادت عملياته في هذا الشأن. 

وأضاف رداً على الاتهامات إن "أي إدعاءات بمشاركة الجيش الإسرائيلي في أفعال تهدف إلى نشر فيروس كورونا سخيفة وغير صحيحة".

العقيد احتياطي في الجيش الإسرائيلي غريشا يعقوبفيتش، والرئيس السابق للإدارة المدنية في وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، والذي تحدث لـ "الميديا لاين" بصفته الشخصية كخبير في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، أدان اتهام السلطة الفلسطينية بأن إسرائيل مسؤولة عن إدخال الفيروس إلى الأراضي الفلسطينية، بالنظر إلى أنه منذ بداية تفشي الفيروس في المنطقة، كان هناك تنسيق كامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن القضايا الصحية، وخاصة بين الجيش الإسرائيلي ووزارة الصحة الفلسطينية.

وقال إن "التنسيق على جميع المستويات: في الميدان وعلى مستوى الوزارات والإدارة المدنية".

عامل "غير قانوني" من قرية في المحافظات الشمالية لـ "الميديا لاين"، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، قال إن "السلطات الإسرائيلية خففت من إجراءاتها الأمنية على العمال بعد أزمة كورونا".

وأضاف: "أعمل في منطقة تل أبيب ومحيطها في الزراعة وأدخل إسرائيل باستخدام الفتحات في السياج".

وأوضح أنه "في السابق، كان العمال يدفعون من 100 إلى 200 شيقل مقابل العبور الآمن إلى إسرائيل، لكنهم الآن يدفعون من 25 إلى 50 شيقلًا – وفقا لمزاج السمسار"، مشيرا إلى أن السعر انخفض بعد الأزمة مع ازدياد فتحات التهريب بصورة كبيرة.

وتابع: "هناك ما بين 20 و30 فتحة في السياج بالقرب من قرية زيتا شمال طولكرم. لا بد لي من دفع النقود للسماسرة للعبور منها. إنهم مثل المافيا. ذات مرة حاولوا إطلاق النار علي". 

ولفت إلى أن الدخول أصبح أسهل بكثير بعد الأزمة، وهناك تسهيلات. يسمح لنا الجيش الإسرائيلي بالمرور دون إيقافنا كما كان من قبل، كما لو أنهم لا يروننا أو يحاولون عدم ذلك".

وأضاف: "حتى داخل إسرائيل، لا أحد يعترض طريقي أو يتحقق من هويتي، على عكس ما سبق".

وزار طاقم "الميديا لاين" مقطع للسياج الفاصل في الضفة الغربية، وأكد أنه في مناطق معينة مليء بالفتحات ولا يحرسه الجيش الإسرائيلي.

وأشار يعقوبفيتش إلى أنه في قرية زيتا، حيث توجد فتحات عديدة في السياج الفاصل، يستخدم العمال هذه الفتحات لدخول إسرائيل بشكل غير قانوني للعمل في مستوطنة حريش (في منطقة المثلث) لأن الوظائف ذات الأجور اللائقة نادرة في الجانب الفلسطيني.

وقال إن حوالي 140-150 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل، منهم 40-60 ألف يدخلون بشكل غير قانوني. وإجمالا، فإن هؤلاء العمال يجلبون حوالي 5.5 مليار شيقل (1.5 مليار دولار) إلى الاقتصاد الفلسطيني سنويا. بالإضافة إلى ذلك، يكسب الفلسطينيون الذين يعملون في المستوطنات الإسرائيلية حوالي 1.1 مليار إلى 1.2 مليار شيقل (310 مليون إلى 330 مليون دولار) سنويًا.

وأضاف: "بالطبع ، قضية العمال غير القانونيين سيئة للغاية، لأن صاحب العمل الإسرائيلي غير ملزم في هذه الحالة بدفع حقوق للعمال، ولكن الحقيقة على الأرض هي أن الناس يفضلون المخاطرة والعمل في إسرائيل من أجل لقمة العيش لهم ولعائلاتهم".

وتابع: "من خلال اتصالاتي بالجيش الإسرائيلي، فإن محافظة طولكرم تنسق مع مكتب الارتباط والإدارة المدنية في المنطقة بخصوص العمال غير القانونيين".

وزاد: "ليس لدي أي تفسير لماذا تلوم السلطة الفلسطينية ومحافظة طولكرم إسرائيل على نقص التنسيق، عندما تكون هناك مساعدات تدخل من إسرائيل إلى طولكرم وباقي الضفة الغربية، والأطباء الفلسطينيين يتم تدريبهم من قبل أطباء إسرائيليون ويساعدوهم بالدورات والمعدات".

وبحسب يعقوبفيتش، في النهاية، سيقول المسؤولون ما يجب عليهم قوله، لكن التنسيق الأمني والصحي بين الجانبين سيستمر لأنه مهم لكلاهما.

من جهته، قال أبو بكر إن القيادة الفلسطينية شكّلت "لجان طوارئ شعبية" مخصصة لمراقبة المناطق الحدودية، وذلك للسيطرة بدرجة أساسية على دخول العمال العائدين من إسرائيل بشكل غير قانوني ومرافقتهم إلى مواقع الحجر الصحي أو المستشفيات حسب الحاجة.

وأضاف: "نتفهم أن عمالنا بحاجة للذهاب إلى إسرائيل، حيث لا توجد فرص عمل هنا بسبب ضعف اقتصادنا في ظل الاحتلال. لكن دخولهم يجب أن يكون من خلال الطرق القانونية".

موشيه مرزوق، الباحث المشارك في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في هرتسليا، قال لـ "الميديا لاين" إن العمال الفلسطينيين في إسرائيل يتقاضون رواتب 10 أضعاف مما سيحصلون عليه في الضفة الغربية.

وأضاف: "في يوم واحد، يمكن لعامل البناء أن يكسب ما بين 400 و500 شيكل". 

وتابع: "منذ بداية أزمة كورونا، لازم غالبية الإسرائيليون منازلهم، الأمر الذي زاد من فرص العمل للعمال الفلسطينيين، وخاصة في قطاع الخدمات".

ويشير مرزوق إلى أن السلطة الفلسطينية وافقت على عرض بقاء العمال الذين لديهم تصاريح في إسرائيل.

وأردف قائلا: "لكن ليس كل العمال الفلسطينيون في إسرائيل قانونيون. نحن نعلم أن هناك أزمة مالية ونحاول مساعدتهم. الآن ليس الوقت المناسب للتحقق من شرعية العمال، حتى لو خالفوا بعض القوانين... لا يوجد عمل في الضفة الغربية".

وانتقد السلطة الفلسطينية لاستخدامها القضية لتوجيه اتهامات كاذبة ضد إسرائيل، وخاصة في مثل هذا الوقت.

وقال: "يمكن أن يقاتلونا في وقت لاحق، كانت معظم الفتحات التي يتحدثون عنها موجودة قبل أزمة فيروس كورونا. استخدمها مئات العمال على مرّ السنين، ولم يعتقلهم الإسرائيليون لأسباب إنسانية. المنطقة ليست خطيرة، وبعض هؤلاء العمال لا يمكنهم الدفع للحصول على تصريح عمل في إسرائيل أو لا يمكنهم العثور على صاحب عمل إسرائيلي لرعايتهم".

وبحسب مرزوق، فإن الفلسطينيين هم الذين يستغلون الوباء لمصالحهم الخاصة.

وذكر أن "الاتهامات هي محاولة لتخريب صورة إسرائيل. حتى لو شرّعنا جميع العمال الفلسطينيين، سيظل البعض يستخدم هذه الطرق غير القانونية لعبور السياج الفاصل".

ليئور أكرمان، العنصر المتقاعد من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، وهو محلل سياسي اليوم، يسخر من المزاعم ضد إسرائيل.

وقال لـ "الميديا لاين": "لم أسمع أبدًا عن شيء من هذا القبيل. الفكرة نفسها تبدو هلوسة، مثل الكثير من نظريات المؤامرة التي يتم تداولها هذه الأيام."

وأضاف إن "إسرائيل استثمرت الكثير لعلاج أزمة فيروس كورونا وشحنت عشرات الآلاف من رزم الفحص إلى السلطة الفلسطينية".

وتابع: "ليس هناك منطق في اتهاماتهم لأن أي حدث صحي خطير يحدث في مناطق السلطة الفلسطينية سيؤثر على الفور على مواطني دولة إسرائيل. يعيش أكثر من 400 ألف إسرائيلي في الضفة الغربية. يعمل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في إسرائيل. كيف يمكن لمثل هذا الشيء أن يكون لصالح إسرائيل؟". 

يعترف أكرمان بأن بعض أصحاب العمل الإسرائيليين يحتاجون إلى عمال فلسطينيين بما يكفي لاستغلال الفتحات في السياج ونقلهم بشكل غير قانوني.

وزاد: "لكن حتى لو حدثت هذه الأشياء، فهي قليلة جدًا من حيث العدد".

عبد الرحمن صباح، منسق العمل الميداني لإحدى لجان الطوارئ بمحافظة طولكرم، قال لـ "الميديا لاين" إن الجيش الإسرائيلي في المنطقة يتساهلون في هذه الأيام تجاه التحركات بالقرب من السياج، مما يسمح لعشرات العمال بالعبور بحرية.

وأضاف: "إذا حاولنا الاقتراب من العامل لأخذ معلومات حول تنقلاته في إسرائيل، لتقييم صحته وما إذا كان يحتاج إلى الحجر الصحي أو الذهاب إلى المستشفى، فإن الجنود الإسرائيليون يوقفوننا".

ويتهم صباح بعض أصحاب العمل الإسرائيليين باستغلال العمال الفلسطينيين، وتوظيفهم عندما يكونوا بصحة جيدة، وبعد مرضهم يلقونهم عند الحواجز. وكانت هناك حالة واحدة موثقة ظهرت فيها أعراض إصابة لعامل بفيروس كورونا بعد تركه عند حاجز إسرائيلي، على الرغم من أنه لم يكن مصابا بعد إجراء الفحص له في فلسطين.

وتابع: "إن التسهيلات الاسرائيلية لدخول العمال في مثل هذا الوقت يمكن فهمها فقط كما لو كانت اسرائيل تساعد في نقل الفيروس الى فلسطين، الدولة الناشئة التي لا تملك القدرة على مواجهة مثل هذا الوباء".

خالد التميمي، عضو لجنة الطوارئ في قرية النبي صالح في محافظة رام الله والبيرة، قال لــ "الميديا لاين"، إن أصحاب العمل الإسرائيليين كثيراً ما يلقون عمالهم في شوارع الضفة الغربية.

وأضاف: "لدينا قوائم بجميع العمال القانونيين وغير القانونيين من المنطقة، ونحن ... نرصدهم عندما يعودون - باحترام - لاتخاذ الإجراءات اللازمة بعد إبلاغ الجهات المختصة".

وتابع: "نتفهم أن هؤلاء العمال بحاجة إلى العمل لتأمين لقمة العيش، لكن دخولهم إلى إسرائيل ومن ثم عودتهم يجب أن يتم تنسيقه ضمن إجراءات وقائية".

وكشف التميمي للميديا لاين أن أعضاء اللجنة انتشروا على نطاق واسع خلال النهار والليل، بما في ذلك في الجبال.

وقال: "تمكنا من العثور على أربعة عمال. جاء اثنان منهم من القدس. تأكدنا من أنهم يعلمون أننا لا نستهدفهم شخصيًا، بل نريد مساعدتهم، لذلك اتصلنا بالطاقم الطبي لإتخاذ الإجراءات اللازمة".

يعقوبفيتش أشار إلى أن الحركة غير القانونية ليست شيئًا جديدًا وأن جميع الأطراف كانت على علم بها، لكن السلطة الفلسطينية لم تقبل أبدًا السياج الفاصل. لم توافق قط على التنسيق مع إسرائيل لمنع العمال الفلسطينيين من عبور السياج بشكل غير قانوني لأنها تعتبر السياج غير قانوني. 

وقال: "الآن، فجأة، في زمن فيروس كورونا، ترغب السلطة الفلسطينية في التنسيق مع إسرائيل بشأن هذه القضية والسياج الذي أعلنت أنه غير قانوني".

طريف عاشور، المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، قال لـ "الميديا لاين" إن 75% من حالات الإصابة بفيروس كورونا في الضفة الغربية جاءت من أشخاص يعملون في إسرائيل.

وأضاف: "الباقي من السياحة، لا سيما في بيت لحم والقدس الشرقية، بالإضافة إلى الوافدين من الخارج ... عبر جسر الكرامة أو مطار اللد".

وقال عاشور إن السلطة الفلسطينية قد حلت بالفعل مسألة الإصابات للعائدين من السفر، مضيفا أن مسألة العمال الفلسطينيين في إسرائيل لا تزال مشكلة.

وقال: "تشير الإحصاءات إلى أن لدينا ما بين 133 ألف و200 ألف عامل في إسرائيل. بعض منهم لديهم تصاريح، ومعروفون لدى السلطات ويمكن تعقبهم. أما أولئك الذين لا يحملون تصاريح يعبرون ... من خلال فتحات وقنوات سرية في الجدار الفاصل، ولا يمكن تعقبهم بسهولة".

وبجسب عاشور، للتعامل مع العمال من حملة التصاريح، نصبت الوزارة خيام بالقرب من الحواجز الرئيسية. يقوم الموظفون بتزويد العمال العائدين باستمارة لتعبئتها حول تحركاتهم في إسرائيل، بالإضافة إلى مكان عملهم والمعلومات ذات الصلة، لتحديد أي منهم يجب فحصه، ولأي مكان يجب أن يتوجه للحجر الصحي.

وتابع إن لجان الطوارئ تتعامل مع أولئك الذين يعملون في إسرائيل دون تصاريح، وتعترضهم في طريق عودتهم إلى المنزل وتأخذهم للفحص. وتعمل مجموعة ثالثة في المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية نفسها. 

ويصف عاشور هؤلاء العمال في المستوطنات بأنهم "الأخطر" فيما يتعلق بالوباء، لأنهم غالباً ما يذهبون إلى عملهم بمركباتهم الخاصة وبالتالي لا يمكن تعقبهم بسهولة.

وقال: "إن وضع الوباء في إسرائيل أخطر من الوضع في فلسطين، لكن معظم المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية أصبحت بؤر لانتشار العدوى. لدينا شهادات من العمال يقولون إنهم أجبروا على تنظيف أماكن الحجر الصحي هناك".

عصام، عامل بناء فلسطيني من محافظة نابلس، طلب عدم ذكر اسم عائلته، يعمل منذ سنوات في مدينة حولون جنوب تل أبيب.

وقال لــ "الميديا لاين" خلال انتظاره لإجراء فحص كورونا في إحدة مختبرات وزارة الصحة التي أعدت في مدينة نابلس للعمال العائدين من إسرائيل إن "الوضع المالي هنا في فلسطين صعب للغاية. أشعر بالاختناق ولدي ديون، لذلك أعمل".

وأوضح عصام إنه قبل الوباء، كان يذهب إلى المنزل كل ليلة، على النحو المنصوص عليه في تصريح دخوله. ولكن بمجرد بدء تفشي الفيروس، استغل عرضًا إسرائيليًا للعمال الفلسطينيين القانونيين بالبقاء داخل إسرائيل لمدة شهر في كل مرة.

قال: "مكثت لمدة 20 يومًا، ثم قررت العودة إلى المنزل لأنني كنت خائفا. قدم لنا صاحب العمل طعامًا ممتازًا بالإضافة إلى مكان مريح للنوم ولكن الوضع أصبح مخيفًا. كان هناك الكثير من الإصابات وكانت الإجراءات الاحترازية متوسطة".

وأخبر عصام عن مركز الفحص في نابلس التابع لوزارة الصحة الفلسطينية. وقال: ""لقد جئت إلى هنا وفحصوني. بعد ذلك، وقّعت على تعهد للمخابرات والوزارة بالبقاء في المنزل لمدة أسبوعين".

معروف عادل، عامل بناء من بيتونيا بالقرب من رام الله، يعمل أيضا في إسرائيل.

قال: "اعتاد المقاول الذي كنت أعمل معه أن يعطينا أموالاً إضافية لأنه كان يعلم أن لدينا أطفالاً. أعطانا خيار البقاء والنوم، أو العودة إلى مدننا وقرانا". وأضاف لـ "الميديا لاين": "قررت العودة".

وبعد عودته، لم يتمكن من العثور على عمل.

وتابع: "كنت أعمل بشكل يومي في إسرائيل، وأكسب المال. الآن ليس لدي أي دخل وبدأت أفكر أنه ربما يجب أن أعود إلى العمل في إسرائيل بأي ثمن".

ويؤكد عادل أن الأب يحتاج إلى عمل، بغض النظر عن طبيعته، حتى أثناء الوباء.

وقال: "أنا بحاجة لإطعام عائلتي. لا أريد أن أطلب من الناس المال أو الشفقة. ماذا يريدون منّا أن نفعل؟ نسرق؟ كيف يفترض بنّا أن نطعم أطفالنا؟ على الحكومة مساعدتنا".