
رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، يوم الأربعاء، لقاء الطاولة المستديرة الثاني لهذا العام بعنوان "صناعة السياسات الاقتصادية في فلسطين: الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً بمقر المعهد في رام الله وعبر تقنية الزووم.
أعد الورقة الخلفية الباحث مسيف مسيف، وقدم كل من: وكيل وزارة الاقتصاد الوطني بشار الصيفي، والوكيلة المساعدة في وزارة التخطيط والتعاون الدولي ليلى صبيح، وممثلة عن المجلس التنسيقي للقطاع الخاص مها أبو شوشة، ومستشار البحوث الاقتصادية في صندوق الاستثمار الفلسطيني قيس عويضات، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.
وأكد منسق البحوث في معهد "ماس" سامح الحلاق، أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، باعتباره محوراً أساسياً في جهود التنمية الاقتصادية.
وبين أن هذا اللقاء الثاني الذي يأتي في سياق سلسلة لقاءات الطاولة المستديرة التي ينفذها المعهد سنويا، وأشار إلى وجود العديد من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع من زوايا متعددة، مؤكداً أن المعهد يولي أهمية خاصة لتعزيز الفهم العميق للشراكة وتطوير سياسات فعالة تساهم في تفعيل الشراكة على أرض الواقع.
ورقة ماس:
في عرضه للورقة، أكد الباحث مسيف أنه في ظل ممارسات الاحتلال المقيدة للنمو الاقتصادي، وحرب الإبادة والقيود الجديدة التي أدت إلى خنق الاقتصاد الفلسطيني، لا بد من مجابهة هذا الوضع عبر استحداث نهج اقتصادي تشاركي جديد يعزّز من الصمود ويحسن المؤشرات الاقتصادية. وهذا ما دفع المعهد إلى إعداد هذه الورقة التي تهدف إلى تبني نموذج اقتصادي يعزّز نهج الشراكة الشاملة في صنع السياسات الاقتصادية في إطار توافقي بين أقطاب الاقتصاد الفلسطيني كافة.
وأوضح مسيف أن مفهوم الشراكة الشاملة يتجاوز نهج الشراكة النمطية، وهي تطال تنسيق السياسات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وصنع سياسات متوافق عليها من قبل الجميع، وذلك من خلال إشراك هيئات المجتمع الأهلي في مناقشة السياسات الاقتصادية وتعديلها والأخذ بالتوصيات البحثية العلمية والعملية، بالإضافة إلى نهج شراكة بين القطاع العام والخاص ضمن إطار الشراكات الاستثمارية الاستراتيجية ومشاركة القطاع الخاص في السياسات الاقتصادية والتجارية، وعمل شراكة في التنمية المحلية "بين هيئات الحكم المحلي والقطاع الخاص" لدعم التنمية المحلية لكل منطقة.
التجربة الفلسطينية في مجال الشراكة:
بين الباحث أن التجربة الفلسطينية لا زالت متجسدة على الورق، رغم العديد من المبادرات، الدراسات "منها 9 دراسات تم إعدادها لصالح وزارة الحكم المحلي"، والمؤتمرات خاصة مؤتمر ماس الاقتصادي 2017 الذي خرج بـ 35 توصية خاصة بموضوع الشراكة، والخطط القطاعية للحكم المحلي والوزرات الأخرى تتبنى التوجه نحو الشراكة بكافة أشكالها وتدعو إلى تأسيس البيئة القانونية وتحفيز التنمية الاقتصادية المحلية عبر الشراكات. والاستراتيجيات التي اهتمت بموضوع الشراكة. بالإضافة إلى الحوار الوطني بين القطاعين العام والخاص في العام 2014.
من جانبه، أكد الصيفي خلال مداخلته أهمية تعزيز الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، مشدداً على أن الجميع في مركب واحد، ما يستوجب تضافر الجهود نحو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
وأضاف: "إن الحكومة على استعداد لتشكيل لجنة خاصة لدراسة التوصيات التي خرجت بها الورقة"، مؤكداً انفتاح الوزارة الكامل تجاه أي توجه يخدم الشراكة، وأشار أن القطاع الخاص كان شريكاً فعلياً في إقرار بعض القوانين، ما يعكس قناعة الحكومة بأهمية إشراك مختلف الأطراف الفاعلة في صياغة السياسات الاقتصادية.
بدورها، أكدت صبيح أن الشراكة القائمة بين القطاعين العام والخاص تعاني من تشوهات واضحة، مشددة على أن الهدف الأساسي من هذه الشراكة يجب أن يكون تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية وشاملة. وأشارت إلى أن الحكومة قد تعهدت بإيجاد بيئة قانونية ملائمة تمكّن من بناء شراكة فعلية، داعية إلى ضرورة مأسسة العمل في هذا المجال وتعزيز القدرات المؤسسية والبشرية لضمان استدامته.
كما أعلنت صبيح عن بدء العمل على إعداد أوراق سياسات متخصصة تتناول موضوع الشراكة، كخطوة عملية نحو تصويب المسار وتعزيز التكامل بين القطاعين، وقد أطلقت عملية بدء التشاور مع القطاع العام والخاص حول السياسات والأطر القانونية لخلق هذه الشراكات.
من جهتها، أكدت أبو شوشة أن الحكومة في هذه المرحلة أحوج ما تكون إلى شراكة حقيقية وفاعلة مع القطاع الخاص، داعية إلى تجاوز العقبات التي ما زالت تعيق تحقيق هذا الهدف.
وأشارت إلى ضرورة توسيع القاعدة الإنتاجية كأحد مدخلات تعزيز التنمية، مشددة على أن الشراكة لا يمكن أن تنجح ما لم يتحمل الطرفان مسؤولية العمل المشترك.
وتساءلت أبو شوشة عن أسباب فشل العديد من الحوارات التي جرت على أعلى المستويات في السابق، رغم أهميتها، مؤكدة أن الأمر يتطلب حواراً معمقا وطويل الأمد لتحديد مواضع التدخل الحقيقي. كما نبهت إلى أن القطاع الخاص تعرض لضربات متتالية على مدار عقود، ما يفرض الحاجة إلى مراجعة شاملة للنهج المتبع في العلاقة بين الجانبين.
بدوره، أشار عويضات إلى أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي آلية متبعة في جميع دول العالم، وتأخذ آليات وأشكالًا مختلفة، ولكنها ترتكز بشكل أساسي على خلق توازن بين حاجات ومتطلبات القطاع الخاص، الذي يرتكز على ضمان استمرارية الأعمال وجدواها، والقطاع العام بهدفه التنظيمي والتطويري. ويتم الاتفاق عليها بناءً على أولوية الحاجات الاقتصادية المحلية.
وأضاف، مؤخراً، في إطار التحول إلى الطاقة المتجددة، يتم الاتفاق على أولوية لبعض المشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية والملحة، بينما تتبع مشاريع أخرى، رغم أهميتها، أطراً تنظيمية دقيقة لضمان سلامتها البيئية وديمومتها.
أجمع الحضور على أهمية بناء شراكة حقيقية وفاعلة بين القطاعين العام والخاص كمدخل أساسي لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، مع التأكيد على ضرورة تطوير البيئة القانونية والتنظيمية المؤسسية الداعمة، وتبني نهج تشاركي في صنع السياسات يشمل الأطراف الاقتصادية كافة.