"ماس" يناقش التراث الثقافي والطبيعي والصناعات الثقافية الإبداعية

تاريخ النشر
جانب من الورشة

رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، اليوم الأربعاء، لقاء لمناقشة نتائج دراسته بعنوان "التراث الثقافي والطبيعي والصناعات الثقافية الإبداعية والتنمية المستدامة في فلسطين" بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد في رام الله وعبر تقنية الزووم.

أعد الدراسة فريق من الباحثين يرأسه د. حمدان طه، وبمشاركة كل من إيمان سعادة وروان سمامرة ومحمد الزرد، وكل من وكيل وزارة السياحة والآثار صالح طوافشة، ومدير عام الصناعات الثقافية الإبداعية في وزارة الثقافة يوسف الترتوري، والباحث والأكاديمي والمقتني في مجال التراث والفن الفلسطيني جورج الأعمى، مداخلاتهم وتعقيباتهم على الدراسة.

وأشار المدير العام للمعهد رجا الخالدي إلى أن هذه الدراسة هي الثانية ضمن خمس دراسات أعدها المعهد بمنحة كريمة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

وبين أن هذه الدراسات هي مزيج من مقترحات من المعهد وشركاءه لموضوعات ذات أهمية وأولوية خاصة بالشأن الفلسطيني.

وأشار الخالدي أن هذه الدراسة حاولت أن تقدم مفهوما تنمويا جديدا مناسبا للحالة الفلسطينية ومناسبا أيضا للدول الشبيهة، وذكر أن المعهد أعد مجموعة من الدراسات حول قطاع السياحة حيث هناك تطور كبير في القطاع السياحي الفلسطيني ويعول عليه كثيراً في فلسطين كونه يشكل موارد أساسية للتنمية المستدامة في فلسطين.

وفي تقديمهم للدراسة، بين فريق البحث أن هذه الدراسة تعالج دور وواقع التراث الثقافي والطبيعي والصناعات الثقافية الإبداعية وكيفية الاستغلال الأمثل لهذه الموارد، ومدى الاستفادة منها كمورد سياحي يوفر الدخل بالعملات الصعبة والعمالة، ويسهم في تنمية الاقتصاد الفلسطيني، ورفع مساهمته في الناتج القومي. وإذا أخذنا السياحة كمؤشر، فما زالت مساهمة السياحة تتراوح ما بين 2.5–4%، وهي دون نسبة مساهمة السياحة في الناتج القومي في الدول المجاورة  كالأردن حيث تصل نسبة المساهمة إلى نحو 14% ومصر بنحو 12%، ولبنان بنسبة ما بين 8-12.4% وتونس 8-14% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يشير إلى الإمكانيات الكامنة في تطوير هذه الموارد، مع الأخذ بعين الاعتبار عامل الاحتلال في فلسطين.

كما أن الدراسة تقدم عرضا لواقع التراث الثقافي والطبيعي والصناعات الثقافية الإبداعية في فلسطين استناداً إلى معطيات وزارة السياحة والآثار، ووزارة الثقافة، وسلطة جودة البيئة، ومركز الإحصاء، والقطاع الخاص، والخبراء، وتشير إلى استغلال جزء يسير من هذه الموارد وأن هناك إمكانيات عظيمة كامنة في هذه القطاعات قابلة للتطوير يمكن أن تسهم بشكل أكبر في التنمية المستدامة في المستقبل. وتسترشد الدراسة بأهداف خطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي تتلخص في كيفية توظيف قوة التراث الثقافي والطبيعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق الازدهار من خلال تعزيز روح الشراكة.

وفي عام 2015 اعترفت الأمم المتحدة بدور الثقافة عموما والتراث الثقافي على وجه الخصوص وذلك في أجندة عام 2030 وأهداف التنمية السابعة عشر المنبثقة عنها، وظهر التراث الثقافي بوجه خاص في الهدف رقم 17 حول استدامة المدن والمجتمعات، وحدد الهدف 11.4 حماية التراث الثقافي العالمي. وكان إدماج هذه الأهداف في أجندة عام 2030 حجر الزاوية في تضمين التراث الثقافي في السياسة الدولية. وبينت الدراسة أن التراث الثقافي يشكل موردا رئيسا للتنمية المستدامة في فلسطين بما تملكه من غنى وتنوع لتراثها الثقافي، وهي تمتلك آلاف المواقع الأثرية التي يمتد تاريخها من العصر الحجري القديم حتى الوقت الحاضر، الى جانب المدن التاريخية والأماكن الدينية والمشهد الطبيعي والثقافي.

ودعت الدراسة إلى استكمال العمل على اللوائح والأنظمة المكملة لقرار بقانون بشأن التراث الثقافي لعام 2018، وإقرار قانون السياحة الفلسطيني، وتعزيز العمل في مكافحة ظواهر التنقيب غير المشروع عن الآثار والاتجار غير القانوني بالمواد الأثرية، وتأهيل المواقع الأثرية كحدائق وطنية، ثم مواجهة ظاهرة سياحة المستوطنات المخالفة للقانون الدولي، والعمل على تنويع العرض السياحي وتطوير السياحية الداخلية والمجتمعية لما تمتلكه من قوة كامنة للتنمية خصوصا في فترة الأزمات.

وأشار فريق البحث أن الصناعات الثقافية والإبداعية تعتبر من أسرع الصناعات نمواً في العالم وقد ثبت أنها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد هو الإبداع البشري. وفي إطار التعاون المشترك ما بين وزارة الثقافة ومكتب اليونسكو لتفعيل العمل باتفاقية 2005 حول تنوع أشكال التعبير الثقافي، أولي الاهتمام بدراسة الأثر الاقتصادي للثقافة في فلسطين، وتوفير مؤشرات رقمية على مساهمة قطاع الثقافة في الاقتصاد، تبرز دور الثقافة وتسهل إدراجها على الأولويات الوطنية للتنمية، ومن جهة أخرى إقناع المانحين بالمساهمة في تنمية هذا القطاع. رغم إدراك الصعوبات المنهجية الموروثة في قياس أثر الثقافة في الاقتصاد، كان لابد من الإشارة إلى التجارب العالمية حول دور قطاع الثقافة في التنمية الاقتصادية، وأبلغ مثل على ذلك الاقتصادات الناشئة في دول الخليج وإسهاماتها العالية في الناتج القومي.

أوصت الدراسة بتأسيس شبكة وطنية للمحميات الطبيعية تعيد تنظيم وتحديد المناطق التي يجب حمايتها، والبدء بإنشاء المحميات الطبيعية والتراثية ذات القوانين الخاصة من أجل المحافظة على المواقع التراثية والمناطق الطبيعية في تلك المحميات، وتعزيز موقع ودور فلسطين في الاتفاقيات الدولية والهيئات والمؤسسات الدولية البيئية، والاستفادة من المصادر والموارد والصناديق الدولية البيئية سواء من خلال الاتفاقيات البيئية أو المؤسسات البيئية المتعددة في المنظومة الدولية، إضافة إلى إمكانية ووجوب فضح الممارسات والانتهاكات الاحتلالية بحق البيئة الفلسطينية، إضافة إلى تطويع استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعرفة والوعي حول أهمية الموروث الطبيعي. على سبيل المثال، تطوير تطبيق عن المحميات الطبيعية ومعلومات عنها. ومن الضروري أيضاً، العمل على وضع سياسات خاصة بالسياحة البيئية التي تتكون من مجموعة من الأنظمة والقوانين والتشريعات التي تضعها وزارة السياحة والآثار بالتنسيق والتعاون مع الجهات ذات العلاقة بالنشاط السياحي والبيئي، وذلك لتنظيم كامل للعمليات السياحية من تنبؤ وتخطيط وإدارة ورقابة وتقييم ومراجعة، وخلق توازن بين الأنشطة السياحية والبيئية بما يحقق التنمية المستدامة لمناطق الجذب السياحي.

فيما يخص الصناعات الثقافية الإبداعية، كان من بين التوصيات السياساتية توفير قروض طويلة المدى بفائدة منخفضة لإسناد الفاعلين في قطاع الحرف التقليدية، وتنظيم المعارض والنشاطات المحلية لتسويق السلع الحرفية والثقافية الإبداعية في مختلف المدن والقرى الفلسطينية، إضافة إلى اهتمام وزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات الفاعلة بالحقل الثقافي بالمشاركة في المعارض الدولية والعالمية الخاصة بمجال الصناعات الثقافية للترويج للمنتج الثقافي الفلسطيني وزيادة التصدير منه، إضافة إلى أخذ موضوع الثقافة الرقمية بعين الاعتبار وأن يوضع بشكل محوري وأساسي بالاستراتيجيات بالأخص بعد تجربة جائحة كوفيد -19 والانتقال إلى الأنشطة عن طريق الإنترنت وفي ظل التوجه العالمي المتطور لاستخدام الإنتاجات الثقافية المرقمنة، ووضع تشريعات لحقوق الفنانين تحمي أعمالهم المنشورة على الإنترنت كفلسطينيين وسن قانون حماية حقوق الملكية الضروري لتطور قطاع الصناعات الثقافية الإبداعية.

 من جانبه، بين طوافشة أن وزارة السياحة والآثار ركزت على مجموعة من القضايا خاصة في مجال تطوير أنماط السياحة بشكل عام وتطوير الموارد البشرية العاملة في قطاعي السياحة والتراث خاصة وأن هناك آلاف المواقع الأثرية في فلسطين، بالإضافة إلى تطوير أنماط سياحية جديدة.

وبين أن الوزارة تركز على تطوير بنية السياحة الداخلية، والعمل على استراتيجية موحدة للسياحة الداخلية من أجل الاعتماد عليها في حال حصول أي أزمات.

وأشار أن الوزارة تعمل على إنتاج مواد إعلامية تشارك بها في مجموعة من المعارض الدولية.

وبين أيضا أن الوزارة تعمل على تطوير الأدلاء السياحيين الذين يعملون في هذا المجال، بالإضافة إلى رقمنة قطاع السياحة والتراث. وأشار أيضاً إلى أن الوزارة تقوم بعمل استراتيجية جديدة بمفاهيم حديثة والتي تتعلق بالتراث والسياحة خاصة فيما يتعلق بربط كافة المواقع التراثية بعملية التنمية المستدامة.

وبين طوافشة أن قطاع التراث الثقافي يتعرض لهجمة كبيرة من الاحتلال الإسرائيلي وذكر نماذج عديدة لقيام الاحتلال بسرقة المواد الأثرية وآخرها كان في سبسطية، وأشار أن الاحتلال يسيطر على ما يقارب 60% من المواقع الأثرية الفلسطينية. وفيما يخص قانون السياحة، بين طوافشة أنه تم الانتهاء من القراءة الثالثة في مجلس الوزراء، ومن المتوقع خلال الفترة القريبة القادمة أن يتم إقراره.

بدوره، أشار الترتوري بأن وزارة الثقافة بدأت مع بداية هذا العام بإنشاء الإدارة العامة للصناعات الثقافية، وبين أن أهم ما هو مهم بهذا الشأن هو حقوق الملكية الفكرية والذي يجب أن يصان وأن يكون مفعلا، ودعا إلى الدمج ما بين الصناعات التقليدية والصناعة الثقافية، وأهمية الاستثمار في هذا القطاع، والعمل على رعايته والنهوض به، والبدء بإنشاء وتفعيل الحواضن الثقافية، مع مراعاة تنوعها. 

فيما أوضح الأعمى أن هناك دور أساسي للمؤسسات التعليمية، حيث هناك نمو في العديد من الجامعات التي تعنى بهذا القطاع، والتي تضم مختصين وأكاديميين ويتم نقل تجربتهم الخاصة للجمهور بشكل عام وللطلاب.

كما دعا إلى ضرورة تعزيز ودعم المبادرات الفردية في مجالات العمل الثقافي المختلفة.