محمود الشخشير يكتب: التسويق استثمار... وليس غرفة أشباح

تاريخ النشر
محمود الشخشير يكتب: التسويق استثمار... وليس غرفة أشباح
الصورة في الإطار: محمود الشخشير

الكاتب: محمود شخشير

دور خجول تسويقياً لشركات التأمين الفلسطينية حتى العام 2014، وكانت أدوات الاتصال التسويقية تستخدم على استحياء وبموازنات خجولة، مع غياب ملحوظ للمتخصصين في هذا الحقل من الموظفين العاملين فيها، بالإضافة الى شبح التكلفة الذي كان يخيم على أي مشروع ابداعي أو رؤية تسويقية.

في العام 2015 بدأت ملامح التغيير تطفو على السطح، بوعي اداري ورغبة في التغيير تم إعادة إطلاق علامة تجارية وهوية مؤسسية لإحدى شركات التأمين والتي كان يرأسها مؤسسها السيد محمد الريماوي وكان لي شرف تأسيس دائرة الاتصالات التسويقية في حينها، حيث قلبت طاولة التسويق في قطاع التأمين ورافق ذلك حملة ترويجية عالية الوتيرة بالاعتماد على العديد من المهنيين المختصين في حقل إدارة العلامة التجارية، مما حفز تدريجياً بعض الشركات الأخرى باستحداث أدوار ومهام جديدة بهدف محاكاة الواقع الجديد مع بدء انتشار التسويق الرقمي في حينها.

ومع ذلك، لا زال قطاع التأمين الفلسطيني بمعظم المؤسسات العاملة فيه بحاجة الى تجاوز بعض المفاهيم والعقبات أمام هذه الدوائر وهذا الحقل الهام في قطاع التأمين، نستعرض أهمها:

اولاً: المبيعات مهمة والتسويق مهمة أخرى تماماً

لا شك بأن هناك تداخل في المصطلحات في ثقافة شركات التأمين، فالمسوق هو رجل المبيعات ومدير التسويق هو مدير المبيعات من يمتلك محفظة تأمينية ومسؤول عن إدارة عدة حسابات من المشتركين، وهذه الثقافة بحاجة الى تغيير وتعديل المسميات الوظيفية الرائجة والمهام ذات العلاقة.

فالتسويق له رؤية ومهمة منفصلة تماماً تُنفذ من خلال عدة أدوار تكاملية منها إعداد الدراسات والأبحاث التسويقية وتصميم وتطوير المنتجات والاتصالات التسويقية وإدارة العلامة التجارية، واحياناً ينضم اليها خدمات ما بعد البيع ان لم يكن لها دائرة منفصلة تماماً عادة تسمى "العناية بالزبائن".

هذا الفصل في المفهوم من شأنه أن يعزز وضوح الهدف وطريقة الوصول اليه من خلال مهام وأدوار واضحة، مع تبنى التخصصية في التوظيف ممن يملكون المعرفة والخبرة، كما ومن شأنه خلق الأثر الإيجابي في النشاط التسويقي للشركة.

ثانياً: التسويق استثمار .... وليس غرفة أشباح

التكلفة والعائد، هذه العلاقة التي تُفشل أي رؤية تسويقية باحتساب العائد المالي فقط خلال مدة زمنية معينة على المدى القصير، على الرغم بأنها الطريقة الأنسب لحساب جدوى ترويج منتج جديد، لكنها بالطبع ليست الطريقة الأنسب لترويج هوية مؤسسية وفكرة وثقافة، والتي أصبحت تقاس بمعادلات خاصة في علم التسويق الحديث وأهمها "معدل تأييد العلامة التجارية" كمقياس لمستوى توصية المشتركين الحاليين لغير المشتركين على اعتماد خدمات الشركات وهنا تكمن أهمية النتائج في توضيح معدل الأثر الإعلاني على دورة سلوك المشتركين التي تبدأ بادراك المشترك نحو العلامة التجارية ثم جذب الانتباه الى الشراء وآخرها تأييد العلامة التجارية التي تتأثر عادة بجودة خدمات ما بعد البيع.

جودة خدمات ما بعد البيع لا تنحصر مطلقاً بسرعة الاستجابة والتعويض، بل تمتد لتتضمن العديد من البنود الإبداعية التي تحقق هدفي (الترويج، الولاء) من خلال ترسيخ كافة الإمكانيات لتسهيل الاتصال والتفاعل، على سبيل المثال: أبحاث ودراسات التغذية الراجعة من المشتركين حول أداء الشركة، مركز اتصال موحّد للتبليغ عن الحوادث الطارئة، الاعتماد على الرقمية في الخدمات لضمان تفاعل أسهل وأسرع، سرد قصص النجاح والعلاقات الاستراتيجية مع الشركاء وأخيرا وليس آخرا: التفاعل المجتمعي من خلال أنسنة العلامة التجارية باعتبارها بشر يخاطب بشر من خلال اللغة والسلوك وتفاعلها مع الأحداث.

وعلى العكس، إذا ما نظرنا الى العوائد غير المالية على المدى القصير والمدى الطويل، وسلطنا الضوء على قوة العلامة التجارية من وجهة نظر البيئة المحيطة من موردين ومشتركين، حيث ان هذه القوة لن تأتي الا بسمعة جيدة، والسمعة الجيدة هي نتاج لصورة الهوية المؤسسية، وهي الخلطة السحرية التسويقية للعلامة التجارية وأدوات الاتصال التسويقي الرقمية والتقليدية، التي ترافق جميع مراحل سلوك المشترك منذ لحظة ادراكه للعلامة التجارية والبحث عنها الى مرحلة خلق قرار الشراء وإعادة الشراء، بهدف الوصول الى قاعدة عريضة من المعجبين والمتابعين والمهتمين، حيث يمكن اختصار العوائد غير المالية في ما يعرف بـ"توجه العلامة التجارية" وهي سرعة اختيار المشترك للشراء من العلامة التجارية من وسط عدة بدائل.

فالتسويق على المدى الطويل يحقق تأييد للعلامة التجارية وقوة للعلامة التجارية وهذه المعدلات لن تقاس مطلقاً على مدى قصير ومن المحرمات إدخالها في قياس جدوى الإعلان خلال فترة زمنية وجيزة.  

ثالثاً: الرقمية في المزيج التسويقي

لم يتم توظيف أدوات الاتصال التسويقي الرقمية بالطريقة المثلى في قطاع التأمين الفلسطيني، وهذا يعود لسببين أولهما التكلفة وثانيهما الوعي.

 حيث أن التركيز غالباً ما يكون على قنوات رقمية محدودة مثل موقع التواصل الاجتماعي Facebook  فقط، مع عدم الاعتماد على المختصين من مصممين ومسؤولي التسويق الرقمي، وتجاهل غير مقصود لتقنيات وأدوات تسويق رقمية أخرى ذات جدوى كالنشرات البريدية الالكترونية والإعلان عبر محركات البحث (SEO) وإعلانات Youtube أو Google أو استخدام التقنيات والتوجهات العالمية الحديثة في إدارة العلامة التجارية مثل الاعتماد على الفيديو في المخاطبة أو الاعتماد على دليل ارشادي لإدارة عناصر العلامة التجارية (المرئية والمسموعة والضمنية).

ومن ناحية أخرى، الرقمية في تقديم الخدمة، حيث ولغاية اللحظة لم يتم إقرار قانون التأمين الرقمي من الجهات الرقابية والإشرافية في فلسطين، الذي يتيح لشركات التأمين اصدار شهادات التأمين رقمياً ويتيح دفع القسط من قبل المشتركين من خلال بطاقات الائتمان مما يوفّر الجهد والوقت على كل من شركة التأمين والمشترك.

ومن شأنه ايضاً إطلاق العنان لتوظيف الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمات التأمين.

وهنا تجدر الإشارة الى أن شركة تمكين للتأمين التي أطلقت مؤخراً خدمات الكترونية هي الأولى من نوعها في قطاع التأمين الفلسطيني تهدف لإدارة وثائق التأمين عن بعد وتسهيل الاتصال والتفاعل مع مشتركيها منها تطبيق هاتف خلوي ونافذة المشتركين الكترونية، حيث تعتبر هذه الخدمات حجر أساس للتأمين الرقمي مستقبلاً.

رابعاً: أسعار موحدة ومنتجات تقليدية

لا شك بأن الأسعار الموحدة لبعض منتجات التأمين وعلى رأسها تأمين المركبات الذي يستحوذ على مبيعات قطاع التأمين بنسبة تزيد عن 60%، تحد من المنافسة السعرية في ظل مجتمع يتسم بالحساسية السعرية تجاه المنتجات، ويجعل التركيز على المنافسة في جودة خدمات ما بعد البيع وسرعة الاستجابة والتعويض، هذا العامل وحده غير كاف لإثارة منافسة حقيقية بين الشركات، فهي ايضاً بحاجة على الأقل لتطوير أو إعادة تصميم منتج حالي وأعاد طرحة بمزيج تسويقي جديد وبمرونة سعرية، لماذا لا يوجد منتج تأمين مركبة خاص يُحتسب القسط من خلاله بالاعتماد على المسافة المتوقع قطعها للمركبة خلال العام؟؟.